الخيرَ بتقوى اللَّه تعالى؛ في الائتمار بأوامره، والانتهاءِ بنواهيه؛ فإنَّ تقوى اللَّهِ خيرُ ما يُتَزوَّدُ (١) ويُدَّخر؛ فإنَّه باقٍ، وغيرُه فانٍ.
والزَّادُ المعروفُ: هو ما أُخِذَ من الطَّعام وغيرِه عِدَّةً لوقتِ الحاجة إليه، فجُعِلَ مثلًا للأعمال الصالحة (٢)؛ لحصولِ هذا المعنى بها.
وقوله تعالى: {وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ} أي: واخشَوني، واحذَروا عقابي أيُّها الذين مَنَنتُ عليهم بالعقول التي هي أفضلُ ما جُعِلَ في الخَلْقِ؛ فإنَّ لُبَّ الشَّيء هو خالصُ ما فيه؛ أي: جَعلتُ فيكم العقولَ التي هي آلاتُ التَّمييزِ ومعاوِن التَّدبير، فيَسهُلُ معها التَّقوى والتَّفكير (٣).
ودليلُ صحَّةِ هذا التَّأويل أنَّه وإنْ أُطلِقَ التَّزوُّد، ولكن عُطِفَ عليه قولُه تعالى: {فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}، والفاءُ واصلةٌ للثَّاني بالأوَّل، ومخبِرةٌ بتشاكُلِهما، ويبعد أن يقال: تَزوَّدوا الطَّعام؛ فإن خير الزاد شيءٌ غيرُه.
وقال الحسنُ في تفسير هذه الآية: إنَّما هذه الدنيا بُلْغَةٌ؛ فمتزوِّدٌ خيرًا، ومتزوِّدٌ شرًّا، وكلٌّ (٤) خارجٌ منها بما (٥) تزوَّدَ منها.
وعامَّةُ المفسِّرين على أنَّه أمرَ بأخذِ الزَّادِ إذا خرجوا للحجِّ وألَّا يتَّكِلوا على مسألةِ النَّاس، وكان أهلُ اليمن يَخرجونَ بغيرِ زاد، ويقولون: نتوكَّل على اللَّه تعالى (٦)،
(١) بعدها في (ر): "به".
(٢) "الصالحة" ليس في (أ).
(٣) في (ر) و (ف): "والتفكر".
(٤) بعدها في (ر): "ذلك".
(٥) في (ر) و (ف): "إنما".
(٦) أخرجه الطبري في "تفسيره" (٣/ ٤٩٨) عن الحسن وقتادة والربيع.