(٢١٢) - {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
وقوله تعالى: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} أي: إنَّما بدَّلوا نعمةَ اللَّه تعالى لمَّا زُيِّن لهم هذه الحياة الدُّنيا الفانية، وهو فعلُ ما لم يُسمَّ فاعلُه، وتكلَّموا في فاعله:
قيل: اللَّهُ تعالى زَّينها لهم؛ إذ خلقها شهيَّةً لذيذةً؛ ابتلاءً لعباده، قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ} الكهف: ٧، وقد جعل اللَّهُ تعالى الدُّنيا دارَ ابتلاءٍ وامتحان، فركَّبَ في الطبائع الميلَ إلى اللَّذات (١)، وحبَّ الشهوات، لا على معنى التَّسخيرِ الذي لا يُمكِنُ الامتناعُ عنه (٢)، لكن على معنى التَّحبيبِ الذي تَميلُ إليه النَّفسُ مع إمكان ردِّها عنه؛ ليَتِمَّ بذلك الامتحانُ، وليُجاهِدَ العبدُ نفسَهُ، ويطيعَ ربَّه، ويَرفعَ قَدْرهُ.
وقيل: المزيِّنُ هو الشيطان لعنه اللَّه، قال تعالى خبرًا عنه: {لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} الحجر: ٣٩، وقال تعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ}، وهو بالوسوسَة.
وقيل: التزيينُ مِن غُواتِهم ورؤسائِهم، هم زيَّنوها لهم، وحثُّوهم على طلب الدُّنيا، والحرصِ عليها، وطلبِ لذَّاتِها، وأوهموهم أنَّه لا صحَّة لما يَدعو إليه النبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلامُ مِن أمرِ الآخرة، وذلك أنَّهم كانوا لا يُؤمنون بالمعاد، ويقولون: إنْ هيَ إلَّا حياتُنا الدُّنيا، وكانوا يَسخرون بذلك مِن المؤمنين.
وذلك قوله تعالى: {وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا}؛ أي: يَهزؤون، ويقولون: ترَكوا
(١) في (أ): "اللدنيا" بدل: "اللذات".
(٢) بعدها في (ر): "ليتم ذلك".