أنَّكم تَنالون الجنَّة مع أنَّه لم يُصِبكم مثلُ ما أصابَ مَن قبلَكم مِنَ الشَّدائد.
وانتظامُها بما قبلَها أنَّه ذكرَ المختلِفِين الأوَّلين، ثمَّ اختلافَ الآخِرين، وأمرَ المهتدين بمقابلةِ المخالِفين، فأصابتهمُ الشِّدَّة فيها، فشقَّ عليهم ذلك، فنزلَت الآيةُ.
وقيل: نزلَتْ يومَ الأحزاب حيثُ أصابَهم الجوعُ والبردُ والخوف (١).
وقوله تعالى: {وَلَمَّا يَأْتِكُمْ} الواو للحال، و"لمَّا" بمعنى "لم"، ومعه "ما"، و"ما" زائدةٌ مؤكِّدةٌ وُصِلَتْ بها.
وقال الفرَّاءُ وسيبويه: "لما" و"لم" واحد (٢).
وقال ثعلب: "لم" لنفي المذكورِ فقط، و"لمَّا" لنفيه مع انتظارِ وجودِه، فيُقال لرجلٍ: أتاك فلانٌ؟ فيقول: لم يأتني، فهذا نفيُ الإتيان لا غير، فإذا (٣) قال: لما يأتني، فمعناه: لم يأتني بعدُ ولكن أتوقَّعُ إتيانَه مِن بعد.
وقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} المَثَلُ والمِثْلُ كالشَّبَهِ والشِّبْه؛ أي: لم يأتِكم مَثَلُ ما كان أتى الذين مضَوا من قبلِكم.
وقوله تعالى: {مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ}؛ أي: أصابَتهُمُ الشِّدَّةُ مِن الخوفِ والجوعِ والفاقة، وهي البأساءُ، وأصابتهُمُ الآلامُ والأمراض، وهي الضرَّاء.
وقوله تعالى: {وَزُلْزِلُوا}؛ أي: حُرِّكوا أشدَّ التَّحريك، والزَّلزلةُ تضعيفُ الزَّلَّة، وهو كقولك: كفَّ وكفكف، وصرَّ وصرصر (٤)، ومنه زلزلةُ الأرض.
(١) أخرجه الطبري في "تفسيره" (٣/ ٦٣٧) عن السدي وقتادة.
(٢) انظر "معاني القرآن" للفراء (١/ ١٣٢). وذكر سيبويه في "الكتاب" (٤/ ٢٢٣) أن "ما" في "لما" مغيرة لها عن حال "لم".
(٣) في (ر): "فإن".
(٤) في (أ): "فكفكف. . . فصرصر".