و {مَاذَا يُنْفِقُونَ} قال الزَّجَّاج: له وجهان:
أحدهما: أنَّ "ذا" في معنى الذي؛ أي: ما الذي ينفقون؟ و"ما" مبتدأ، و"ذا" خبرُه، وهما مرفوعان.
والثاني: أنهما شيءٌ واحد، وتقديره: أيَّ شيءٍ؟ وهو منصوبٌ بـ: {يُنْفِقُونَ} (١).
وقيل: إن "ذا" صلةٌ زائدةٌ، و"ما" اسمٌ منصوبٌ بالفعلِ المذكور بعدَه.
وقيل: "ما" بمعنى "مَن"، كما في قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} الشمس: ٥، و"ذا" بمعنى الذين؛ أي: مَن الذين يُنفِقون عليهم؟ فإنَّ السُّؤالَ لم يكن عن نفسِ الإنفاق، بل محلِّ الإنفاق، بدلالة أنَّ الجواب وردَ عن ذلك، وصار كقولِه تعالى: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ} البقرة: ٦٨، كان هذا سؤالًا عن صفاتِ البقرة، حيث وردَ الجوابُ عن ذلك، وإن كان {مَا هِيَ} في الظاهرِ سؤالًا عن ماهية البقرة.
ولو حُمِلَ "ما" على ظاهره، وجُعِلَ سؤالًا عن الإنفاق، ووردَ الجوابُ بما وردَ، فهو صحيحٌ في نظمِ الكلام، فإنَّ السُّؤالَ المختصرَ إذا عُرِفَ المرادُ منه صحَّ الجوابُ على (٢) المراد.
والآيةُ نزلَت في شأن عمرو بن الجموح الأنصاريِّ؛ فإنَّه لمَّا نزل قوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} جاء وسألَ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: كم نُنفِق؟ وعلى من نُنفِق؟ فنزل جواب السُّؤالين في آيتين من هذه السورة، جوابُ قوله: كم ننفق؟ في قوله تعالى: {قُلِ الْعَفْوَ} البقرة: ٢١٩، وجواب قوله: على من ننفق؟ في قوله تعالى: {قُلْ مَا
(١) انظر: "معاني القرآن" للزجاج (١/ ٢٨٨).
(٢) في (ر): "عن".