وقوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}؛ أي: اغتسلنَ، كما في قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} المائدة: ٦.
وقوله تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} قال مجاهد: سألتُ ابنَ عباس رضي اللَّه تعالى عنهما عن هذا، فقال: هذا أمرُ إباحةٍ ورخصة (١)، ويَنصرفُ إلى ما وقعَ النَّهيُ عنه، وهو القُربانُ في موضعِ الحيض لأجلِ الحيض، فإذا زالَ الحيضُ أُبيحَ الإتيانُ في ذلك الموضعِ، ولأنَّ اللَّهَ تعالى حرَّم إتيانَ القُبل في أيَّام الحيض للأذى، فيحرمُ إتيانُ الدُّبُر في الأحوال كلِّها لِما فيه مِن الأذى، وهو القذر.
وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} (٢)؛ أي: عن إتيانِهم النِّساءَ في حالةِ الحَيض وفي الدُّبُر، وقوله تعالى {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}؛ أي: المتَنزِّهينَ عنهما، فلا يأتونَهُما قَطّ.
وقد قبَّح اللَّهُ تعالى ذلك الفعلَ، حيث قال في صفةِ أهلِه: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} النمل: ٥٥، {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} الأعراف: ٨١، {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} الشعراء: ١٦٦، {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} الأعراف: ٨٠، ووصفَ المتباعِدَ عنه بالتَّطهُّر، قال تعالى: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} الأعراف: ٨٢، وقال تعالى: {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} البقرة: ٢٢٢.
وقيل: أي: يحبُّ التَّوابين مِن كلِّ الجنايات، والمتَطهِّرين مِن كلِّ النَّجاسات.
وقال أبو القاسم الحكيم: {يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} من الذُّنوب، {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}
(١) لم أقف عليه من قول ابن عباس رضي اللَّه عنهما، وهو بعيد عن لغة عصره، فلعله معنى قوله صاغه المصنف بلغته، واللَّه أعلم.
(٢) بعدها في (ر) و (ف): {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}.