والثاني: أنَّ أصلَهُ: لا تُضارَر، بفتح الرَّاء الأولى، وسُكِّنَت للإدغام، وهو نهيٌ على صيغة (١) ما لم يُسَمَّ فاعلُه، ويكونُ نهيًا للأبِ عن الإضرار بها.
ثم قوله: {وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} عطفٌ على الأوَّل، فيكونُ الأوَّل على الوجهِ الأوَّل نهيًا للأمِّ عن الإضرار بالأب، ثمَّ نهيًا للأب عن الإضرارِ بالأمِّ، وعلى الوجه الثاني يكونُ نهيًا مضافًا إلى الأمِّ ظاهرًا على صيغةِ ما لم يُسمَّ فاعلُه، وحقيقتُه نهيُ الأب عن الإضرار بها، ثمَّ يكون عطفًا لنهي الأب على هذا الوجه، وحقيقتُه نهيُ الأمِّ عن الإضرارِ به.
ومعنى الإضرارِ مِن كلِّ واحدٍ منهما بالآخر، سواءٌ بُدِئ به أو بها: أنَّه لا يجوزُ لواحدٍ من الوالدين أنْ يُضارَّ الآخرَ بالولد، فتَمتنعَ الأمُّ من الإرضاع (٢) إلا بأن تُعطى أكثر (٣) من وسع الوالد، أو يمتنعَ الوالدُ مِن إعطاءِ الأمِّ قدرَ الوِسْعِ بالمعروف.
وكذلك لا يجوزُ للوالدِ أنْ يَنزِعَ الولدَ عنها وهي تُرضِعُ بأجرِ المثل، ولا للأمِّ أنْ تُلقيَ الولدَ عليه مع قُدرتِها عليه، وهو يُعطيها أجرَ المِثل، وهذا كلُّه نظرٌ للصَّغير.
ومنهم مَن حملَ الآيةَ على الوالداتِ المنكوحات، وجعلَ الرِّزقَ والكسوةَ مِن النَّفقة دون الأجر، وظاهرُ الآيةِ أنَّها في المطلَّقة؛ لأنَّ ما قبلَها وما بعدَها في ذِكْرِ المطلَّقات، وحكمُ المنكوحةِ في استحقاقِ الإرضاعِ لها ووجوبِ النَّفقةِ عليه كذلك بالإجماع، ولو امتَنعَتْ مِن الإرضاعِ لم تُجبَر عليه بالإجماع.
ولو استأجرَ زوجٌ منكوحتَهُ لإرضاعِ ولدِه منها، فأَرضعَتْهُ، لم تَستحقَّ الأجرَ
(١) بعدها في (ر) و (ف): "الأولى".
(٢) في (أ): "الأم من الإرضاع" وفي (ف): "الأمر من الإرضاع" بدل من "الأمر بالإرضاع".
(٣) في (أ): "بأكثر"، وفي (ر) و (ف): "أكثره"، ولعل المثبت هو الصواب.