{وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} (١) المطففين: ٣؛ أي: كالوا لهم ووَزنوا لهم، ولا يشتبه هاهنا الحال، ويُعلَم (٢) أنَّه لم يُرِد كيلَ أعيانِهم، ولا وزنَهم، ولا يجوزُ في موضع الاشتباه، لا يقال: دعوت زيدًا، في موضع: دعوتُ لزيدٍ؛ لأنَّ دعاه متحقِّق.
وقوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ}؛ أي: سلَّمتم إلى الظِّئر ما سمَّيتم لها مِن الأجرِ، والإيتاءُ لا يُحمَل هاهنا على الإعطاءِ الذي هو المناولَة؛ لأنَّ تسليمَ ذلك تسليمُ المُسْلَم، وهو ممتنعٌ، لكن يُحمَلُ على الإيتاءِ الذي هو التَّمليك، وهو كإيتاءِ الزَّكاة، أُريدَ به التمليك، والتمليكُ في العقدِ يَقعُ بالتَّسمية.
وقيل: معنى قوله: {مَا آتَيْتُمْ}؛ أي: التزمتُم، كما في قوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ}؛ أي: يلتزموها، فإنَّ ذلك يَقعُ بالالتزام، لا بحقيقةِ الأداء.
وقوله: {بِالْمَعْرُوفِ}؛ أي: بالأداءِ الجميل، ثمَّ ظاهرُه أنَّه لا إثمَ على مَن استرضعَ لولدِه امرأةً إذا أعطاها ما شرَطَ لها.
ويحتملُ: وإن أردتم أيُّها الآباءُ أنْ تَسترضِعوا أجنبيَّةً لإرضاعِ الولدِ بعدما أرضعتهُ الأمُّ زمانًا، ثمَّ تركَتهُ لعجزٍ، أو إرادة التزوُّج بزوجٍ، فلا إثمَ عليكم أن تَنتزِعوا الولدَ منها، وتَدفعوه إلى الأجنبيَّةِ إذا سلَّمتُم لأمِّ الولد ما شرطتُم لها على إرضاعِها.
ويحتمل: لا جُناحَ عليكم أنْ تَسترضعوا؛ أي: في الابتداء للولدِ أجنبيَّة إذا امتنعَت الأمُّ عن إرضاعِه، إذا سلَّمتُم للأمِّ بقيَّةَ مهرِها، وسائرَ حقوقِها التي كانت.
وقرأ ابن كثير: {ما أتيتم} بغيرِ مدَّةٍ (٣)، من الإتيان، وعلى هذا يكون معنى
(١) لفظ: "يخسرون" من (أ).
(٢) في (ر) و (ف): "ولا يعلم".
(٣) انظر: "السبعة" (ص: ١٨٣)، و"التيسير" (ص: ٨١).