وقوله تعالى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا}؛ أي: فإن شاءَ الوالدُ والوالدةُ فطامَ الولدِ بتراضِيهما، أو نظرِهما في حالة أنَّه وقعَت الكفايةُ ولا ضررَ عليه، فلا إثمَ عليهما.
والفِصالُ: الفِطام، والفُصولُ: خروجُ العِير والجُند، والفَصل: التَّفريقُ والحُكمُ، وصرفُ الكُلِّ على تفاوتِ المصادر من بابِ: ضرب يضرب، وبعضُها في المعنى قريبٌ مِن بعض، وأصلُه التَّفريقُ، والفصيل: الحُوَارُ (١) المفصولُ عن الناقة.
والتَّراضي: اجتماعُهما على الرِّضا، وهو الدَّليلُ على كمالِ نظرِهما في حالِه، وأنَّ الفِطامَ لا يَضرُّ بجسمِه.
والتَّشاورُ اجتماعُهما في المَشُورَة، وهي استخراجُ صوابِ الرَّأي بإشارةِ المستشار، وأصلُه مِن شَوْرِ العسل، وهو اجتناؤُه وهو اشتراط لكمال تأمُّلِهما في حاله؛ لأن لا يُضِرَّا به بقطع غذائِه قبل وقتِ فصالِه.
وقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ}؛ أي: وإن شئتُم أيُّها الآباءُ، ويجوزُ أن يكون خطابًا للآباءِ والأمَّهات، ولكلِّ مَن احتاجَ إلى الاسترضاعِ وأرادَ ذلك.
والاسترضاع (٢): طلبُ الإرضاع من الظِئْر، وسؤالُهُ منها؛ فإنَّ سينَ الاستفعال للطَّلب والسُّؤال، وذاك يكون عند عجزِ الأمِّ، أو إبائِها، وقد قال في آيةٍ أخرى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} الطلاق: ٦.
وقوله: {أَوْلَادَكُمْ} أي: لأولادِكم، وحذف اللام تخفيفًا، وهو في غير موضعِ الاشتباه؛ لأنَّهُ يُعلمُ أَنَّه لا يُرادُ به وجودُ الإرضاعِ من الأولاد، وصار كما في قوله:
(١) الحوار: ولد الناقة. انظر: "الصحاح" (مادة: حور).
(٢) بعدها في (ف): "وهو".