وقوله تعالى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ} قيل: أي: ستَخطُبونهنَّ، وفي الحديث: كان النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أرادَ أن يُزوِّجَ بعضَ بناتِه، دَنى مِن خِدرها ويقول: "إنَّ فلانًا يَذكرُ فلانة" (١)، يعني: يخطُبُها، يعني أَنَّكم تَحتاجون بعد انقضاءِ العِدَّةِ إلى الخِطبة، فأباحَ لكم تمهيدَ ذلك بالتَّعريضِ في العِدَّة؛ لئلَّا يَسبقكُم غيرُكم بالخِطبة فتفوتَكم.
وقيل: معناه: ستَذكرونهنَّ بقلوبِكم، وتتفكَّرون في أنَّكم تَطلبون ذلك بعد انقضاءِ العِدَّة، فأزالَ الجُناحَ عنكم بإضمارِكُم ذلك في القلب؛ إذ ليس فيه وَهْمُ فسادٍ.
وقوله تعالى: {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا}؛ أي: جِماعًا، سُمِّيَ به؛ لأنَّه يُفعَل سِرًّا (٢)، قال امرؤ القيس:
ألَا زعمَتْ بَسْباسةُ اليومَ أنَّني... كبِرْتُ وأنْ لا يُحسِنُ السِّرَّ أمثالي (٣)
أي: لا يَقُلْ أحدكُم لها في العدَّةِ: إنِّي قادرٌ على هذا العملِ، ومحسِنٌ لهذا العمل؛ فإنَّه قبيحٌ في المعاملة، وبعيدٌ عن (٤) المجاملة، ولأنَّه مُهَيِّجٌ لشَهوتها، وقد يوقِعُها في الفتنة بذلك في عدتها (٥).
وقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} ليس هذا حقيقةَ (٦) استثناءٍ عن مواعدةِ السِّرِّ التي هي ذِكْرُ الجِماع؛ فإنَّه لا يَنبغي أنْ يُقال ذلك بوجهٍ مِن
(١) رواه أحمد في "مسنده" (٢٤٤٩٤) من حديث عائشة رضي اللَّه عنها، قال محققوه: إسناده ضعيف.
(٢) في (أ): "في السر و" وفي (ف): "في السر".
(٣) "ديوان امرئ القيس" (ص ٢٨)، وفيه: "اللهو" بدل: "السر".
(٤) في (أ): "في".
(٥) قوله: "في عدتها" من (أ).
(٦) في (أ): "لحقيقة".