والحليمُ هو الذي لا يَستخفُّهُ عصيانُ العصاة، ولا يَستفِزُّهُ (١) الغضبُ عليهم.
ثمَّ لا يَصِحُّ عند المعتزلة على أصولهم وصفُ اللَّه جلَّ وعلا بأنَّه حليمٌ؛ لأنَّ حقيقةَ الحِلم تركُ عقوبةِ مَن يَستحِقُّها، ولا يَجوزُ عندَهم للَّه تعالى تركُ عقوبةِ العصاةِ، واللَّهُ تعالى وصفَ نفسَهُ بالحِلمِ تَرغيمًا (٢) لهم، وتكذيبًا لقولهم.
* * *
(٢٣٦) - {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}.
وقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} الجُناحُ: الوِزرُ، من قولهم: جَنحَتِ السَّفينةُ؛ أي: مالَت لثِقلها، والوِزْرُ: الثِّقَلُ، قال تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثَقَالَهُمْ} العنكبوت: ١٣.
قيل: إنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لكثرةِ ما أوصى أصحابَه بالنِّساءِ ظنُّوا أَنَّه سَيُحرِّمُ طلاقَهنَّ، فنزلَتِ الآيةُ لبيان أنَّه مباحٌ، وليس على المطلِّقِ إذا وافقَ الشَّرعَ جُناحٌ.
وقيل: هذه الآيةُ (٣) في غيرِ المدخولِ بها، فقد قال تعالى: {مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ}، وإنَّما خصَّها بالذِّكرِ؛ لأنَّ طلاقَها في كلِّ وقتٍ مشروعٌ مباحٌ، وفي المدخولِ بها يَختلفُ الحال.
وقيل: الآيةُ في رفعِ الجُناحِ عمَّن لا يُعطيها المهرَ إذا طلَّقها قبلَ الدُّخولِ بها، ولم يُسَمِّ لها مهرًا؛ فإنَّ اللَّهَ تعالى لمَّا شدَّدَ في منعِ المهرِ، واستردادِ المهرِ، والمضارَّةِ
(١) في (ف) و (أ): "يستفزه".
(٢) في (أ): "ترغيبًا".
(٣) بعدها في (ر): "نزلت".