مبارزٍ، فقصدَهم في ديارِهم، فقابلوه وقاتلوه، وقدَّموا التابوتَ، فلم يُنصَروا لكثرةِ معاصيهم، وقتلَ جالوتُ منهم مقتلةً عظيمةً، وسبا نساءَهم وذريَّتِهم، وأسرَ مِن أبناء ملوكهم أربعَ مئةٍ وأربعين غلامًا، وغَنِمَ أموالَهم، وحملَ تابوتَهم، وأخرجَهم مِن ديارِهم، ومضى على ذلك زمانٌ، فجاؤوا إلى نبيِّهم. وقيل: هو شمعون، وقيل: هو يوشح بن نون وقيل هو أشمويل بن هلقاثا (١) وهو الأشهرُ الأظهر، واسمُ أمِّه حنة، وهو من نسلِ هارونَ أخي موسى، وذلك قوله تعالى: {إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا} أي: أَقِمْ لنا وانصب سلطانًا.
وقوله تعالى: {نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} جزم لأنَّه جوابُ الأمرِ، وهو في الحقيقةِ جزاءُ الشَّرطِ؛ لأنَّ تقديرَهُ: إنْ يَبعث لنا مَلِكًا نقاتلْ نحن معَهُ عدوَّنا.
وقوله تعالى: {قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا} "عسى" كلمةُ شكٍّ، وظنٍّ، ومعناه: لعلَّكم، وتُستعمَلُ في الماضي دون المستقبل.
وقرأ نافع: {عسِيتم} بكسر السِّين (٢).
وقال أبو حاتم: لا وجهَ له في العربيَّة، وهو مردودٌ في القياس (٣).
يقول: قال لهم نبيُّهم: لعلَّكم أنْ تَمتنعوا عن القتالِ إذا فُرِض عليكم.
وقوله تعالى: {قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} له ثلاثةُ أوجه:
أحدها أن تكون استفهامًا بمعنى الاستنكار، ومعناه: لأيِّ شيءٍ لا نقاتلُ في سبيل اللَّه، ويجوزُ في هذا حذف "أن" وإثباتُه، وقد وردَ كلُّ واحدٍ منهما في القرآن،
(١) في (ر): "ملفاثا"، وفي "تفسير مقاتل" (١/ ٢٠٦): "هلقابا".
(٢) انظر: "السبعة" (ص: ١٨٦)، و"التيسير" (ص: ٨١).
(٣) انظر "إعراب القرآن" للنحاس (١/ ٣٢٥).