وقيل: هو مِن المَلاءة التي هي القُدرة، فالملأ جماعةٌ لا حاجةَ إلى الزِّيادةِ عليهم فيما اجتمعوا له، وهم قادرون على ما اجتمعوا له.
وقوله: {مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} هم أولادُ يعقوب، وقولُه: {مِنْ بَعْدِ مُوسَى}؛ أي: من بعدِ موت موسى.
وانتظام هذه الآية بما قبلها أنَّه قال: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، وقصَّ عليهم قصَّة بني إسرائيل في القِتال الذي سَألوهُ ثمَّ خالفوه؛ لئلَّا يفعلَ هؤلاء فِعلَهُم.
قال ابنُ عبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما: إنَّ بني إسرائيلَ مَكثوا زمانًا ليس لهم ملكٌ يُقاتِلُ في سبيل اللَّه، وكانت النبوَّةُ في سِبْطِ لاوي بن يعقوب، والملكُ في سِبْطِ يهوذا بن يعقوب، فكان يكونُ الجندُ والقتالُ في يدِ الملِك، وكان الملِكُ يَعملُ بأمرِ النبيِّ عليه السلام، وكان لهم تابوتٌ إذا خرجوا للقتالِ حملوهُ وقدَّموهُ، فنُصِروا به، وانهزمَ عدوُّهم.
ومضى على ذلك زمانٌ وكَثُرت المعاصي في بني إسرائيل، وصارَ الملِكُ لا يُطيعُ النَّبيَّ (١)، فسلَّط اللَّه تعالى عليهم جالوتَ وقومَه، وكان يُقالُ لهم: البلشاثا، وكانوا يَسْكنون بحرَ الرُّوم بين مصر وفلسطين (٢)، وكان بنو إسرائيل لبثوا أربعين سنة بأحسن حال، وكان اللَّهُ تعالى وضعَ عنهم القتالَ، وكفاهم مؤنةَ العدوِّ، وعهد إلى الأنبياء من بني إسرائيل مِن بعد موسى ألَّا يقاتِلوا إلَّا مَن قاتلَهم (٣).
وكان جالوتُ عظيمَ الجثَّة، شديدَ الشَّوكةِ، وكانت بيضةُ رأسِه ثلاثَ مئة رطلٍ مِن حديد، وكان بنفسه يساوي مئةَ ألفِ فارس، وكان جندُه ثماني مئة ألف فارسٍ
(١) انظر: "تفسير مقاتل" (١/ ٢٠٥ - ٢٠٦).
(٢) انظر: "تفسير الثعلبي" (٢/ ٢٠٩).
(٣) في (ف): "يقاتلهم".