وقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي}؛ أي: مَن لم يَشربهُ على هذا الوجهِ.
والطَّعمُ: الذَّوق، ويقع على الأكل والشُّرب، قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} المائدة: ٩٣؛ أي: شربوا.
وقوله تعالى: {إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً} (١) قرأ ابنُ كثير ونافعٌ وأبو عمرو بفتح الغين، وقرأ الباقون بضمِّها (٢).
والغرفُ: أخذُ الماءِ بآلةٍ، كالكفِّ والمغرفةِ، والغَرفةُ بالفَتح: المَرَّةُ مِن هذا الفعل، والغُرفةُ بالضَّم: قدرُ ما يُغرفُ بالكفِّ مِن الماء، وأصلُ الغَرفِ: القَطعُ، والغُرفة التي هي العُلِّيَّةُ: قطعةٌ مِن البناء. استثنى من الشُّربِ الممنوعِ هذا النَّوعَ، وهو الأخذُ بالكفِّ والتَّناولُ مِنه.
وقوله تعالى: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ}؛ أي: مرَّ بهم في مَفازَةٍ مُعطِشةٍ، فلمَّا انتهَوا إلى النَّهر، وقد غلبَ عليهم العَطَش، وقَعوا في النَّهرِ، فشربوا كَرْعًا إلَّا قليلًا منهم، وهم ثلاثُ مئةٍ وثلاثةَ عشرَ رجلًا، على عدد أهل بدر، فإنَّهم اغترَفوا فشَرِبوا بالأكفِّ ورَووا، والذين خالفوا ازدَادوا عطشًا.
وقيل: انتفخَت بطونُهم، وماتَ منهم في ذلك سبعون ألفًا.
وقيل: بقُوا جميعًا، لكن لَمَّا عرفَ طالوتُ الموافقَ مِن المخالفِ، خَلَّفَ المُخالِفين، واستتبعَ الموافقين، وقال: إذ لم يوافقوني في صفةِ شربِ الماء، فكيفَ يوافقونني في محاربةِ الأعداءِ الأشدَّاء؟
ولما رُدُّوا بالخلافِ في صفةِ شربِ ماءٍ أصلُهُ حلال، لكن على صفةٍ مخصوصةٍ،
(١) بعدها في (ر) و (ف): "بيده".
(٢) انظر: "السبعة" (ص: ١٨٧)، و"التيسير" (ص: ٨١).