وهَلَكوا بعد الرَّدِّ، فما حالُ مَن تناولَ الحرامَ المحضَ من الطَّعام والشَّراب، كيف يُقبلُ ويَسلم؟
وقوله تعالى: {فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ}؛ أي: فلمَّا مَضى طالوتُ وقطعَ النَّهرَ، ومضى المؤمنونَ معه، وهاهنا مضمرٌ؛ أي: وعَلِموا بالأخبارِ المتواترة، أو بالمشاهدة (١) والملاقاة والمقاربة (٢)، كثرةَ عددِ أصحاب جالوتَ، وعِظَمَ أجسامِهم، ووفورَ عدَّتهم.
وقوله تعالى: {قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ} جالوت سُمِّيَ به لجولانه؛ أي: قال ضعفاءُ اليقينِ: لا قوَّة لنا ولا قدرةَ على مقابلتِهم ومقاتَلتِهم.
وقوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ}؛ أي: قال الذين يَعلمون ويَستيقنونَ أنَّهم راجعونَ إلى اللَّه في القيامة، ومَجزيُّون بأعمالِهم يومئذٍ.
وقد كشفنا حقيقةَ الظَّنِّ واللقاءِ في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} البقرة: ٤٦.
وقيل: هو استعارةٌ؛ أي: يَكفي الظَّنُّ في هذا للعمل، فكيف باليقين؟
وقيل: معناه: أي: يُحدِّثون أنفسَهم بلقاء اللَّه، وهو الموت.
وقيل: ظنُّوا أنَّهم لا يَنجونَ مِن القتل (٣)، لكثرة عَددِهم وعُددهم.
وقيل: معناه: يرجون لقاءَ اللَّه؛ أي: رؤيتَه.
وقوله تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} {كَمْ}
(١) في (ر) و (ف): "وبالمشاهدة".
(٢) في (ر): "والمقارنة".
(٣) في (ر): "الموت والقتل" بدل: "القتل".