(٢٥٦) - {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
وقوله: {لَا إِكْرَاهَ} نفيٌ بمعنى النهي؛ أي: لا تُكرِهوا، وهو كما قلنا في قوله: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} البقرة: ١٩٧.
وقيل: معناه: مَن دخل في الإسلام بالسيفِ فلا تقولوا: إنه مُكْرهٌ، يعني: كان في الابتداء كارهًا، وقد قَبِله (١) طائعًا بعد كراهته فلم يَبْقَ مكرَهًا.
وقيل: هذا نفيٌ، ومعناه: أن الإيمان لا يكون عن الإكراه (٢)، بل الإيمانُ الحقيقيُّ هو الفعل الاختياريُّ.
وقيل: معناه مع الانتظام بما قبله: أنَّ الحُجج قد ظهرت، والمعاذيرَ في الشرك باللَّه تعالى قد بَطلت، والدلائلَ أنه لا يَنفعُ المشركين يومَ القيامة خُلَّةٌ ولا شفاعةٌ ولا شيءٌ قد وضَحت (٣)، فلم يبق للمقيم على كفره إلا أن يلجأ إلى الإيمان مضطرًّا إليه، و {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} وهو كقوله: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} يونس: ٩٩؛ أي: تَضْطَرُّهم إليه، وليس لك ذلك وأنا أقدر عليه، قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} طائعين أو مكرهين، لكن الإيمان الحقيقي لا يكون إلا عن اختيار.
وقوله تعالى: {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}: أي: ظهر الهدى من الضلال.
وقوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ}: أي: يَجحدْه ويَتبرأْ، قال تعالى: {ثُمَّ
(١) في (ف): "صار".
(٢) في (أ): "إكراه".
(٣) بعدها في (ر): "دلائله".