شيءٍ ممَّا أنفقوا، يقال: فلان لا يَقدر على درهم؛ أي: لا يجدُه ولا يملكه.
وجُمع قوله: {لَا يَقْدِرُونَ} وقد وحِّد في قوله: {كَالَّذِي يُنْفِقُ}؛ لأنَّه بمنزلة الجنس ويَصلح للجمع معنًى.
ثم قوله: {رِئَاءَ النَّاسِ} هذا وصفٌ كافٍ لحرمان الثواب، وقولُه: {وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ} كذلك، قال في حقِّ المنافق: {قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ} التوبة: ٥٣، وقال في حقِّ الكافر: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ} التوبة: ٥٤، فإذا اجتمع الوصفان كان أَولى بالحرمان.
وقوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}: أي: لا يُوفِّقهم ولا يُرشدهم إلى الصدقة المَرْضيَّة في الدنيا، ولا يَهديهم إلى الجنَّة في العُقبى، قال تعالى في حقِّ المؤمنين: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} يونس: ٩؛ أي: إلى الجنَّة ومنازلِهم فيها.
وقال الزجَّاج؛ أي: لا يَجعلهم بكفرهم مُهتدين (١).
قالوا (٢): الصَّفوانُ مَثَلُ الكافر، والترابُ مَثَلُ عمله، والوابلُ مَثَلُ كفره (٣)، فما يتراءى عليه مِن عمله يتلاشى بسبب كفره.
وقيل: تحقيقُ هذا المثَل: أنَّ أعمالَ العباد ذخائرُ لهم (٤) ليوم حاجتهم؛ فمَن عمِل بإخلاصٍ فكأنَّه ادَّخر عملَه في شيءٍ، وكأنَّه بذرَ في أرضٍ مُنبِتةٍ، فهو يتضاعف له وينمو حتى يحصدَه في إبَّانه، ويجدَه في وقتِ حاجته إلى ثمره، فأمَّا المنافقُ فإنَّه
(١) انظر: "معاني القرآن" للزجاج (١/ ٣٤٧).
(٢) في (أ): "وقال".
(٣) في (ف): "مثل الكفار. . . مثل عملهم. . . مثل كفرهم".
(٤) في (ر) و (ف): "ذخائرهم".