وعن عمر بنِ عبد العزيز رضي اللَّه عنه قال في قوله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} قال: انتهى علمُهم إلى أنْ قالوا: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} (١).
وقال ابنُ كيسان كذلك، وقال: ولا تنكِرْ أنْ يكون للقرآن تأويلٌ استأثر اللَّهُ بعلمه دون خَلْقه؛ لأنَّا لا نعلم مرادَ اللَّهِ عزَّ وجلَّ وحكمتَه في أوامره ونواهيهِ، غيرَ أنَّه أَلزمَنا العملَ بما أَنزل، ولم يُطالبنا بما لا سبيلَ لنا إلى معرفته.
وقال هؤلاء: فائدةُ إنزالِ المتشابه: الإيمانُ به، واعتقادُ حقِّيَّة ذلك و (٢) ما أراد اللَّه به، ومعرفةُ قصورِ أفهام البشر عن الوقوف على ما لم يُجعل لهم إليه سبيلٌ.
وأكثر أهل العلم على أنَّ الراسخين في العلم يَعلمون المتشابهَ، ويوصَلُ قوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} بالأوَّل.
وقال مجاهد: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} يعلمونه و {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} (٣).
قالوا: ولو لم يكن للراسخين في العلم حَظٌّ في عِلم المتشابه إلَّا أنْ يقولوا: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} لم يكن لهم فضلٌ على الجهَّال؛ لأنَّهم جميعًا يقولون ذلك.
قالوا: ولم يزل المفسِّرون إلى يومنا هذا يفسِّرون ويؤوِّلون كلَّ آيةٍ، ولم نرَهم وقفوا عن شيءٍ مِن القرآن فقالوا: هذا متشابهٌ لا يَعلمه إلَّا اللَّهُ، بل فسَّروه نحوَ حروف الهجاء (٤) وغيرها.
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٥/ ٢١٩)، وابن المنذر في "تفسيره" (٢٥٧).
(٢) "ذلك و": من (ف).
(٣) انظر: "تفسير مجاهد" (ص: ٢٤٩)، ورواه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص: ١٠٠)، الطبري في "تفسيره" (٥/ ٢٢٠)، وابن المنذر في "تفسيره" (٢٥٩)، والنحاس في "القطع والائتناف" (ص: ١٢٦)، وابن الأنباري في "إيضاح الوقف والابتداء" (ص: ١٩٥)
(٤) في (أ) و (ف): "التهجي".