ثم إنَّ القرآنَ كلَّه مُحكمٌ في معنًى، وكلَّه متشابهٌ في معنًى، وبعضَه محكمٌ (١) وبعضَه متشابهٌ في معنًى، وقد ذُكر ذلك كلُّه في القرآن:
أمَّا الأول: فقد قال: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} هود: ١ ومعناه: أنَّ كلَّه مُتقَنٌ لا تناقضَ فيه.
وأمَّا الثاني: فقد قال: {كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} (٢) الزمر: ٢٣ ومعناه: أنَّه يُصدِّق بعضُه بعضًا، ويُوافق بعضُه بعضًا.
وأمَّا الثالث: فقد قال في هذه الآية: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} ووجهُ ذلك ما ذكرناه (٣).
ثمَّ الراسخون في العلم -وهم الثابتونَ فيه-: هم الذين لا يَزولون عن الحقِّ بحشمةٍ أو رشوةٍ.
وقد قلنا: إنَّه أُريد به عبد اللَّه بنُ سلام وأصحابُه مِن الذين لم يُغيِّروا كتابَ اللَّه تعالى، بخلاف كدب بنِ الأشرف وأصحابِه مِن اليهود؛ فإنَّهم وُصِفوا بالتحريف، وبأنَّهم {يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} البقرة: ٧٩.
ثم مدح هؤلاء بحُسْن الإقرار بقوله: {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}، وبحُسْن الاعتقاد بقوله: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}، وبحُسْن الفهم والاعتبار بقوله تعالى:
{وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}: أي: لا يتَّعظ ولا يَعتبر إلَّا أولو العقول الخالصة،
(١) بعدها في (ف): "في معنى".
(٢) "مثاني" لم يرد في (ف).
(٣) في (أ): "ذكرنا".