وقوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ}: انتظامُ هذه الآية بما قبلها: أنَّه ذكر في الآية الأولى عدمَ نفع الأولاد والأرحام (١) في الحاصل، وذَكر حالَ الآخرة في مقابلتها.
ووجهٌ آخَرُ: أنَّه ذكر قصة بني نجران، واغترارَهم بما حصل لهم مِن ملوكهم مِن حظوظ الدنيا، وذكر هاهنا أنَّه (٢) كلَّه متاعٌ، وأنَّه لا قَدْرَ له في جَنْب الآخرة.
وقوله تعالى: {زُيِّنَ} على ما لم يُسمَّ فاعله، وفاعلُه هو اللَّهُ تعالى في قول عمر رضي اللَّه عنه،
وروي عنه أنَّه رفع يديه وقال: اللَّهمَ زيَّنتَ لنا الدنيا وما فيها، وما بعدها خيرٌ منها، فاجعل حظَّنا مِن الذي هو خيرٌ وأبقى (٣).
ودليلُه في كتاب اللَّه تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا} الكهف: ٧ ومعناه: تخليقُ الميل والشهوة في القلوب وتصوُّر حُسنها وزينتها، مِن غير أنْ يتعرَّض لذِكْر فاعلها، كما يقال: أين يُذهَبُ بك؛ أي: أين تَذهب؟ مِن غير إرادةِ مَن يُذْهِبُه.
وقوله تعالى: {حُبُّ الشَّهَوَاتِ}؛ أي: المشتهيات، مصدرٌ أُريد به المفعولُ، ولذلك جُمع، ودليلُ ذلك أنَّه فسَّره بالمشتهيات (٤)، وهو قوله: {مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ} الآية.
(١) في (ف): "عدم نفع الأموال والأولاد ثم ذكر في هذه الآية . . . الأموال والأولاد". وما بين معكوفتين غير واضح في النسخة، ويشبه رسمه كلمة: (قديم).
(٢) في (ف): "أن".
(٣) رواه ابن المنذر في "تفسيره" (٢٨٩)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٢/ ٦١٢).
(٤) في (ف): "بالمشهيات".