وقال أبو بكرٍ الورَّاق: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ}؛ أي: مُلْكَ النَّفس حتى يغلب شهوتَه وهواهُ، {وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ}؛ أي: مُلْكَ النَّفس {مِمَّنْ تَشَاءُ} حتى يغلبه هواهُ فيتَّخذَه إلهًا، كما قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ} الجاثية: ٢٣، {وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ} بقهره النفسَ {وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ} بقهرِ النفس له.
وقال الحسين بنُ الفضل البَجَليُّ رحمه اللَّه: أي: {تُؤْتِي الْمُلْك} الكبيرَ {مَنْ تَشَاءُ}، {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} الإنسان: ٢٠ {وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ} الكبيرَ {مِمَّنْ تَشَاءُ} كما نزعته (١) مِن أهل النار {وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ} بالرُّؤية {وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ} بالحجاب.
وقال مجاهد وسعيد بنُ جبير: الملكُ: النبوَّة (٢)، كما في قوله تعالى: {فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} النساء: ٥٤، وقولِه تعالى: {وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ} البقرة: ٢٥١.
وقالوا أيضًا في سبب نزولها: إنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لمَّا ابتعثه (٣) اللَّه بالرِّسالة، فدعا الخلق إلى اللَّه تعالى، قالوا: {أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا} ص: ٨، {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} الزخرف: ٣١، {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} الزخرف: ٣٢؛ أي: النبوَّة، فأُنزل قوله تعالى: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ}؛ أي: تعطي النبوَّة مَن تشاء.
وقوله تعالى: {وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} على هذا التأويل لا يجوز حمله على سلب النبوَّة؛ فإنَّ اللَّهَ تعالى يقول: {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} الدخان: ٣٢، فلو جاء مِن أحدهم ما يستحقُّ به نزعَ النبوَّة منه كان جهلًا مِن اللَّه تعالى به، واللَّه تعالى متعالٍ (٤) عن ذلك، ولكن معناه: وتمنع الملكَ؛ أي: النبوَّة ممَّن تشاء، وهو
(١) في (أ) و (ف): "نزعت".
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (٥/ ٣٠٤) عن مجاهد.
(٣) في (أ): "انبعثه"، وفي (ر): "أن بعثه".
(٤) في (ر) و (ف): "واللَّه يتعالى".