حتى تتَّبعوني وتتركوا موالاةَ الكفار، فإنِّي أدعو إلى الإيمان بما بعثني اللَّهُ به، وإلى طاعة اللَّه تعالى فيما أمر ونهى، فمَن لم يتَّبعني لم يكن مُحِبًّا للَّه، إذ محبةُ العبدِ اللَّهَ إيثارُ طاعته على غير ذلك، فإذا (١) فعلتم ذلك أحبَّكم اللَّهُ، ومحبةُ اللَّهِ العبدَ: إرادتُه ثوابَه، ورضاه عنه، واستحسانُه عملَه.
وقوله تعالى: {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}: عطفٌ على قوله تعالى: {يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}.
وقوله تعالى: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}: يغفرُ لكم ذنوبَكم (٢) ويرحمُكم فلا يعذِّبكم.
ودلَّت الآيةُ على شرف النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فإنَّه جعل محبّته متابعةَ حبيبِ نفسِه، وفيه فضيلةٌ (٣) على الخليل؛ فإنَّ الخليلَ قال: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} إبراهيم: ٣٦، وقال اللَّهُ تعالى في حقِّ الحبيب: وقل لهم يا محمد (٤): {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}.
وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: قطعَ اللَّهُ أطماعَ الكلِّ أنْ يَسْلَم لأحدٍ نفَسٌ إلَّا ومقتداهم سيِّد (٥) الأوَّلين والآخِرين.
ثم قال: في الآيةِ إشارةٌ إلى أنَّ المحبَّةَ غيرُ معلولة، وليست هي بفعلِ طاعةٍ أو تجرُّدٍ عن آفةٍ، فإنَّه قال: {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} فأَثبتها لهم مع وجود الذُّنوب منهم (٦).
* * *
(١) في (ف): "فإن".
(٢) "ذنوبكم" ليست في (أ).
(٣) في (أ): "فضله".
(٤) في (أ) و (ف): "قل لهم" بدل: "وقل لهم يا محمد".
(٥) في (أ): "سيد المرسلين".
(٦) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٢٣٥ - ٢٣٦).