وقوله تعالى: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا}: أي: يا ربِّ إنِّي التزمتُ التقرُّبَ إليك بتحريرِ ما في بطني مِن الولد، والتحرير: الإعتاق، وهو إثبات الحرية.
وقيل: هو التخليص (١)، وطينٌ حُرٌّ؛ أي: خالصٌ.
قيل: كان بنو إسرائيل لم يكن لهم غنائمُ أعدائهم، فلم يكن لهم مماليكُ يُعتقونهم، فكانوا يحرِّرون أولادَهم تقرُّبًا إلى اللَّه جلَّ جلالُه، ويَقطعون منافعَهم عن أنفسِهم ويُفرِّغونهم لخدمة بيتِ اللَّه تعالى.
وقال عكرمة: {مُحَرَّرًا}؛ أي: خالصًا للَّهِ تعالى لا يُخالط أمورَ الدنيا (٢).
وقال محمد بنُ إسحاق: كانت امرأةُ عمرانَ بنِ ماثان أُمسِكَ عنها الولدُ وأَيست، وكانوا أهلَ بيتِ صلاحٍ ودينٍ، فبينا هي تحت ظلِّ شجرةٍ نظرت إلى طائرٍ يُطعِم فرخًا له، فتحرَّكت نفسُها للولد، فدعتِ اللَّهَ تعالى أنْ يَهب لها ولدًا، فحملت بمريم، وهلك عمران، فلمَّا عرفت أنَّ في بطنِها جنينًا جعلته محرَّرًا للَّه تعالى (٣).
وقال الكلبيُّ: هو الذي يكون في بيت المقدس يَخدمه ويَكنسه ويتعاهده حتى يبلغَ، ثم يخيَّر، فإنْ (٤) شاءأقام، وإنْ شاء ذهب (٥).
وقيل: معناه: جعلتُ ما في بطني محرَّرًا خالصًا لك، لا أستأنسُ به، ولا أتكثَّر (٦) به، ولا أتجمَّل (٧) به، ولا أستعين به في أموري.
(١) في (ر): "التخلص".
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (٥/ ٣٣٣)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٣٤٢٢)، لكن عن مجاهد.
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" (٥/ ٣٣٢)، وانظر: "تفسير الثعلبي" (٣/ ٥٤ - ٥٥).
(٤) في (ف): "إن".
(٥) انظر: "تفسير الثعلبي" (٣/ ٥٥).
(٦) في (ف): "أستكثر".
(٧) في (ر): "أتحمل".