وقيل: كانوا يُحرِّرون الغلمانَ والجواريَ، لكن الأنثى أضعفُ حالًا (١) وأعجزُ، فقالت ذلك اعترافًا بالتقصير.
وقيل: هو استكانةٌ وتذلُّل (٢)، كقول الدَّاعي: أنا عبدُك وابنُ عبدك، وأنا البائسُ الفقيرُ، ونحو ذلك.
وقوله تعالى: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ}: قرأ ابنُ عامرٍ، وعاصمٌ في رواية أبي بكرٍ، ويعقوبُ: بضمِّ التاء؛ وهو إخبارٌ عنها أنَّها قالت ذلك، وقرأ الباقون: {بِمَا وَضَعَتْ} بإسكان التاء (٣)؛ وهو إخبارٌ مِن اللَّه تعالى أنَّه أعلم منها بما وَضَعت؛ لأنَّها علمت بها بعد الولادة، واللَّهُ تعالى كان عالمًا بها في الأزل.
وقوله تعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى}: أي: قالت حنَّة: ليست البنتُ في خدمة المسجد كالابن، وهو اعترافٌ أيضًا بالتقصير.
وقال الإمام أبو منصورٍ رحمه اللَّه: أي: وليس الذَّكر في الحاجة إلى الحفظ كالأنثى؛ فإنَّها تحتاجُ إليه لا محالةَ، سألتْ بذلك مِن اللَّه تعالى حفظَها وعونها (٤).
وقوله تعالى: {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ}: هي عبرانيَّةٌ، ومعناها: الخادم، وصارت عربيَّةً باستعمال العرب ذلك في لسانها، وكان ذلك استخارةً منها، ويقول الدَّاعي في الاستخارة: اللَّهمَّ إنِّي أُريد أمرَ كذا، وهو طلبُ الخِيَرة مِن اللَّه تعالى في ذلك.
وقوله تعالى: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}: عاذَ لازمٌ، وأعاذَ
(١) "حالًا" لم يرد في (أ).
(٢) في (ف): "هو الاستكانة بذلك".
(٣) انظر: "السبعة" (ص: ٢٠٤)، و"التيسير" (ص: ٨٧).
(٤) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٢/ ٣٥٨).