متعدٍّ، وهو الاستعصام والاستغاثة والاستعانة (١)، وسألتْ ذلك في حقِّها وحقِّ ولدها، فأجابها اللَّهُ تعالى إلى ذلك.
قال الضحَّاك: فكانت مريمُ صوَّامةً قوَّامةً، قد غلبت الأحبارَ فضلًا وعبادةً، وأقبلت الملائكةُ عند ولادتها (٢) عيسى، فكانوا بينَه وبينَ إبليسَ كانهم بنيانٌ مرصوصٌ.
وروى أبو هريرة رضي اللَّه عنه عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال: "ما مِن مولودٍ إلَّا والشيطانُ يمسُّه حين يُولَد حتى يستهلَّ صارخًا مِن مسِّ الشيطانِ إيَّاهُ إلَّا مريمَ وابنَها"، ثم قال أبو هريرة رضي اللَّه عنه: اقرؤوا إنْ شئتم: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} آل عمران: ٣٥ (٣).
وقال الحسن: معناه: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا} إذا بلغت، وولدَها إنْ كان لها ولدٌ {مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}، فاستجاب اللَّهُ لها ذلك.
* * *
(٣٥) - {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
وقوله تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ}: أي: قَبِلها اللَّهُ تعالى منها ورَضيها، والقَبول مصدرُ قَبِلَ، لا مصدر تَقبَّل، وإنَّما جاز ذلك؛ لأنَّه في معناه، كما يقال: تكرَّم كرمًا؛ لأنَّه في معناه.
(١) في (ر): "الاستعصام والاستعانة"، وفي (ف): "الاستعصام والاستغاثة".
(٢) في (أ): "ولادة"، وفي (ف): "ولادتها وعند ولادة".
(٣) رواه البخاري (٤٥٤٨)، ومسلم (٢٣٦٦).