{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ} (١)؛ أي: صفته، كقوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ} الرعد: ٣٥؛ أي: صفتها.
وقيل: المثَلُ: الشَّبَهُ، وأراد (٢) به التَّشبيهَ في كونه بغيرِ أبٍ، وقوله تعالى: {كَمَثَلِ آدَمَ}؛ أي: في كونه بغير أبٍ ولا أمٍّ.
قوله تعالى: {خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ}: أي: قدَّرَه وصوَّرَه من ترابٍ (٣).
قوله تعالى: {ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}: قيل: {لَهُ} يرجع إلى آدمَ؛ أي: قال له: كنْ بشرًا سويًّا لحمًا ودمًا وعظامًا وكذا وذا روحٍ فكان، ومعناه: كوَّنَهُ كذلك فكان، وقد مرَّ هذا في سورة البقرة بتحقيقه.
وإذا جُعِلَ الخلقُ للتَّصويرِ وقولُه: {كُنْ فَيَكُونُ} للإحياء، كان {ثُمَّ} على الحقيقة.
وإذا جُعِلَ الخلق لإيجاده بشرًا، فكلمةُ {ثُمَّ} تكون بمعنى الواو، كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} الأعراف: ١١، و (ثم) بمعنى الواو في القرآن موجودٌ في آياتٍ؛ منها قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا} مريم: ٧٠.
وقيل: {ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} كنايةٌ عن عيسى، و {ثُمَّ} على هذا للتَّراخي.
يقول: قد خلقْتُ آدمَ مِن غير ذكرٍ ولا أنثى، فليسَ خَلْقُ عيسى من غير أبٍ (٤) بأعجبَ من هذا، فما هذا الإنكار؟!
(١) روى الطبري في "تفسيره" (٥/ ٤٥٩ - ٤٦١) عدة آثار في هذا المعنى.
(٢) في (أ): "فأراد".
(٣) في (أ): "منه" بدل: "من ترابٍ".
(٤) في (أ) و (ف): "ذكر".