وقيل: {طَوْعًا}: حالةَ الاختيار، {وَكَرْهًا}: عندَ نزول الشَّدائد وحلول الموت.
وقال ابن عباسٍ رضي اللَّه عنهما: لَمَّا ادَّعى اليهود والنَّصارى -لعنهم اللَّه- أنَّ إبراهيمَ صلوات اللَّه عليه كان على دينهم، فقال عليه السلام في ردِّهم ما قال، قالوا: لا نرضى بقضائِك ولا ندخل في دينك، فنزل: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ} (١).
وقال الإمام أبو منصورٍ رحمه اللَّه: كلٌّ يدَّعي أنه يطلب دِينًا هو دين اللَّه، لكن معناه واللَّه أعلم: أنَّ كلًّا في الابتداء يبغي (٢) دِين اللَّه في نفسه، لكن إذا بانَ له بالآيات أنه ليس على دِين اللَّه، وأن دينَ اللَّه هو الإسلام، فلم يرجع إليه، ولا اعتقده، ولزم غيرَه بالعناد والمكابرة، فهو باغٍ غيرَ دين اللَّه.
ويحتمل: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ}؛ أي: أفغير ما في دين اللَّه من الأحكام يبغون، وهو كقوله: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} المائدة: ٥٠.
ويحتمل: أبغَيرِ (٣) دِين اللَّه يَدينون، وليس على الاستفهام، بل على التَّحقيق، كما في قوله تعالى: {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} النور: ٥٠ (٤).
وذكر هو عن ابن عبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما في قوله تعالى: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} قولين:
أحدهما: وله أسلم من في السماوات طوعًا، فأمَّا (٥) أهل الأرض فمنهم مَن أسلم طوعًا، ومنهم مَن أسلم كرهًا مخافةَ السيف (٦).
(١) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٣/ ١٠٥). في (أ) و (ف): "تبغون".
(٢) في (أ): "يبتغي".
(٣) في (ر) و (ف): "أفغير".
(٤) انظر: "تفسير الماتريدي" (٢/ ٤١٨).
(٥) في (أ) و (ف): "وأما".
(٦) روى نحوه ابن المنذر في "تفسيره" (١/ ٢٧٥)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٢/ ٦٩٦).