ثم إذا كان البيتُ المنسوب إليه لا يوصل إليه من ناحيةٍ من نواحيه إلَّا بقطع المفاوز والمتاهات، فكيف يطمع أن يصلَ إلى ربِّ البيت بدون تحمُّل المشقَّات ومفارقة الرَّاحات؟
ثم حجُّ البيت على أصحاب الأموال، وحجُّ ربِّ البيت على أصحاب الأحوال، وقد ينسدُّ الطَّريق إلى البيت في أحوالٍ، ولا ينسدُّ الطَّريق إلى ربِّ البيت بحال.
والحجُّ هو القصد إلى مَن يعظِّمه، فقاصد بنفسه إلى زيارة البيت، وقاصد بقلبه إلى شهود ربِّ البيت، فالقاصدون بنفوسهم أحرموا عن محرَّمات الإحرام، والقاصدون بقلوبهم أحرموا عن شهود الغير وجميع الأنام، هؤلاء تحلُّلهم عن إحرامهم عند قضاء نسكهم، وهؤلاء تحلُّلهم عن إحرامهم عند شهود ربِّهم (١).
وسبيلُ مَن حجَّ البيت أن يقوم بآداب (٢) الحجِّ، فإذا عقد بقلبه الإحرام يجب أن يفسخ كلَّ عقدٍ يصدُّه عن هذا (٣) الطَّريق، وينقض كلَّ عزمٍ يردُّه عن هذا التَّحقيق.
وإذا تطهَّر تطهَّر عن كلِّ دنسٍ من آثار الأغيار بماء الحياء، ثم بماء الوفاء، ثم بماء الصَّفاء.
وإذا تجرَّد عن ثيابه تجرَّد عن كلِّ ملبوسٍ له من الأخلاق الذَّميمة والأفعال اللَّئيمة.
وإذا لبَّى بلسانه وجبَ ألَّا تبقى شعرةٌ من بدنه إلَّا استجابَتْ للَّه تعالى.
فإذا بلغ الموقف وقفَ بقلبه وسرِّه حيث وقَفه (٤) الحقُّ بلا اختيارِ مقامٍ.
(١) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٣٦١ - ٢٦٣).
(٢) في (أ): "بأداء".
(٣) في (ر): "هذه".
(٤) في (ر): "وفقه".