على صدق التَّوبة، فقد سوَّى بين المذنبين التَّائبين وبين المتَّقين المحسِنين في هذه الآيات، فقد قال في حقِّ أولئك: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ}، وقال في حقِّ هؤلاء: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ}، وهذا فضلٌ من اللَّه؛ حيث جعل للعبد المتخلِّف أنْ يتداركَ حالَه ويُلحِقَ بالسَّابقين نفسَه.
قولهتعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}: أي: ما أثابهم اللَّه تعالى به من نعيم الجنان هو في غاية الفضل والشرف والحُسن؛ فإنَّه لا يَتنغَّص ولا يَنتقِضُ (١) ولا يحول ولا يزول.
وقيل: نِعْمَ ما جازاهم اللَّه تعالى على التَّوبة، فليس أحدٌ أذنب إلى خلقٍ ثم ندم يجزيه مثلَه.
وقال الحسن: {وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}: عملوا قليلًا ونعِّموا طويلًا.
وقوله تعالى: {وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} حثٌّ على العمل.
وأوحى اللَّه تعالى إلى موسى عليه السلام: ما أقلَّ حياءَ مَن يطمع في جنَّتي من غير (٢) عملٍ، ياموسى، كيف أجود برحمتي على مَن يبخل بطاعتي (٣)؟!
وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: أوحى اللَّه إلى موسى عليه السلام: يا موسى (٤)، قل للظَّلَمة حتَّى لا يذكروني، فإنِّي أوجبْتُ أنْ أذكرَ مَن ذكرَني (٥)، وذكري للظَّلمة باللَّعنة (٦).
(١) في (ف): "لا يتبعض ولا يتنقص".
(٢) في (أ) و (ف): "بغير" بدل: "من غير".
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٣/ ١٧٠).
(٤) "يا موسى" ليس في (أ) و (ف).
(٥) في (ف): "يذكرني".
(٦) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٢/ ٢١) عن سفيان بن عيينة بلاغًا.