فقال عبد اللَّه بن أُبيٍّ: لا تخرج إليهم يا رسول اللَّه، فواللَّه ما خرجنا إلى عدوٍّ لنا قط إلا أصاب منَّا، ولا دخل علينا إلا أصبناه، فإن أقاموا أقاموا بشرِّ محبس، وإن دخلوا إلينا قاتلهم الرجال ورماهم النساء والصبيان بالحجارة فيرجعون خائبين.
فقال رجالٌ من المسلمين ممن أراد اللَّه تعالى أن يكرمهم بالشهادة: اخرج بنا إليهم لا يرون أنَّا جَبُنَّا عنهم.
فلبس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَأْمته وتعمَّم، وتقلَّد السيف، وألقى الترس في ظهره، وأخذ القناة بيده، وخرج إليهم مع الناس في ألفِ رجلٍ منهم مئة دارعٍ.
حتى إذا كانوا بالشوط رجع ابن أبيٍّ بثلث الناس وقال: أطاعهم وعصاني، واللَّه ما ندري ما نقتل أنفسنا؟ ثم انصرف وتبعه عبد اللَّه بن عمرو بن حرام فأنزل اللَّه تعالى: {قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ} الآية (١).
فمضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأصحابه، وكان خروج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد العصر يومَ الجمعة، فسلك حَرَّةَ بني حارثة، فذبَّ فرسُ بُردةَ بنِ أبي نِيَارٍ بذَنَبه فأصاب قائمةَ سيفِه، فاستلَّه فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "شِمْ سيفَك فإنِّي أرى السيوف ستُسلُّ اليوم"، وكان عليه السلام يحب (٢) الفأل.
فقال: "مَن يخرجُ بنا من كثيبٍ في طريق الحَرَّة مخالِفةٍ عنهم (٣) "؟ فقال أبو خيثمةَ أخو بني حارثةَ: أنا يا رسول اللَّه، فخرج بهم حتى سلك ماءً لمربعٍ وكان منافقًا
(١) "الآية" ليس في (أ).
(٢) في (أ): "يستحب الفأل" بدل: "يحب القتال".
(٣) في (أ): "لمخالفة عنه"، وفي (ت): "بمخالفة عنهم". والذي في المصادر: "مَن رجلٌ يَخْرجُ بنا على القومِ مِن كثَبٍ -أي: مِن قُربٍ- مِن طريقٍ لا يَمرُّ بنا عليهم؟ ". انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٦٥)، و"تاريخ الطبري" (٢/ ٦١)، و"تفسير ابن المنذر" (٨٦١).