يعلم الشيء موجودًا حال وجوده، ويَعلمه قبل وجوده أنه (١) يوجَد حالَ وجوده فيما يوجَد، ويَعلمُ ما لا يوجَد أنه لا يوجَد.
قوله تعالى: {وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}: هو نصبٌ على الصرف كما في قول الشاعر:
لا تنهَ عن خلقٍ وتأتيَ مثلَه... عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيم (٢)
ومعنى الصرفِ: أنه مصروفٌ عن معنَى مطلقِ العطف، فإنه ليس معناه النهيَ عن إتيان مثله قصدًا كالنهي عن النهي عن خُلُق، بل معناه النهيُ عن الجمع بينهما، وكذا معنى الصرف في هذه الآية ليس هو مطلقَ نفي علمِ الصابرين كنفيِ علمِ المجاهدين، بل معناه نفيُ اجتماعهما.
وهو كقولهم: لا تأكلِ السمكَ وتشربَ اللبنَ؛ أي: لا تجمع بينهما، وليس هو نهيًا عن كلِّ واحدٍ منهما مفردًا.
وقرأ الحسن ويحيى بن يَعْمَرَ: {وَيَعْلَمِ الصَّابِرِينَ} بالكسر (٣)، وهو على العطف، وهو مجزومٌ كالأول.
وقرأ إبراهيم النخعي ويحيى بن وثَّابٍ: {وَيَعْلَمُ الصَّابِرِينَ} بالرفع على الاستئناف (٤)؛ أي: وهو يعلمُ الصابرين.
* * *
(١) في (ر) و (ف): "وأنه".
(٢) نسبه سيبويه في "الكتاب" (٣/ ٤١ - ٤٢) للأخطل، والزمخشري في "المستقصى" (٢/ ٢٦٠) للمتوكل بن عبد اللَّه الليثي، ونسب أيضًا لسابق البربري وللطرماح كما ذكر البغدادي في "خزانة الأدب" (٨/ ٥٦٨) وقال: والمشهور أنه من قصيدة لأبي الأسود الدؤلي.
(٣) انظر: "المختصر في شواذ القراءات" (ص: ٢٩) و"المحرر الوجيز" (١/ ٥١٥).
(٤) انظر: "المختصر في شواذ القراءات" (ص: ٢٩).