وقال الإمامُ أبو منصور رحمه اللَّه: فيه وجوه:
أحدها: أنه لا يجوز أن يأمرَه بالمشاورة فيما فيه النصُّ، وإنما يأمره بها فيما لا نصَّ فيه، ففيه دليلُ جواز العمل بالاجتهاد.
والثاني: لا يخلو أمرُه بها: إما أن يكون لعظيم قَدْرهم عند اللَّه، أو لفضل عقلٍ، وكيفما كان فلا يجوز لمن دونهم أن يسوُّوا أنفسَهم بهم، ولا جائزٌ أن يأمره بمشاورة أصحابه ثم لا يعملَ برأيهم، دل أنهم إذا اجتمعوا كان الحقُّ معهم (١) لا يشذُّ عنهم (٢).
وقوله تعالى {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}: أي: فإذا عزمتَ على إمضاءِ ما أشاروا عليك به فلا تعتمِدْ عليهم بل اعتمد على اللَّه، وهو يوضح ما قلنا: أن استشارته إياهم لم تكن لحاجته إليها بل لتألُّفهم وتلطُّفهم.
وقال الحسن: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان غنيًّا عن مشاورتهم، ولكن أحب اللَّه تعالى أن يَستنَّ به الحكَّامُ بعده (٣).
وقال أبو عِصمةَ نوحُ بن أبي مريم: كانت العرب إذا أراد سيدهم أن يقطع أمرًا دونهم شقَّ عليهم، فأمر اللَّهُ تعالى نبيَّه أن يشاورَهم في الأمر ليكون أعطفَ لقلوبهم عليه.
وقال أبو هريرة رضي اللَّه عنه: ما رأيتُ أحدًا أكثرَ مشاورةً لأصحابه من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (٤).
(١) في (أ): "بينهم".
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٢/ ٥١٦).
(٣) رواه ابن المنذر في "تفسيره" (١١١٥)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٣/ ٨٠١).
(٤) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (٣/ ٨٠١).