قوله تعالى: {قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ}: قد ذكرنا أن هذا قولُ عبد اللَّه بن أبيٍّ حين انصرف قبل القتال في ثلاثِ مئة رجل، فدعاه بعض المخلِصين إلى الرجوع فقال ذلك.
وقوله تعالى: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ}: {يَوْمَئِذٍ} كلمتان: (يومَ) للظرف، و (إذٍ) للوقت، والتنوينُ أُقيم مقام المحذوف بعده، وتقديره: يومَ إذ قالوا ذلك، وكذلك {إِذًا} في قوله تعالى: {قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} النازعات: ١٢ تقديره: تلك إذَا كان ذلك.
ومعناه: هم بهذا الإظهارِ إلى الكفر أقربُ منهم للإيمان (١)؛ إذ كانوا قبلَ ذلك في ظاهر أحوالهم إلى الإيمان أقربَ، حتى هتكوا أستارهم عند مَن كان يخفَى عليه حالُهم من المؤمنين الذين يُحسنون بهم الظنَّ، فأما في الحقيقة فهم كفارٌ قطعًا.
واللام بمعنى (إلى) في الكلمتين، كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} التوبة: ٦٠؛ أي: تُصرف إلى الفقراء، وقال تعالى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} الزلزلة: ٥ أي: إليها، وقال تعالى: {يُنَادِي لِلْإِيمَانِ} آل عمران: ١٩٣؛ أي: ينادي إلى الإيمان.
وقوله تعالى: {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ}: {بِأَفْوَاهِهِمْ}: جمع فمٍ، وأصله: فُوْه، وتصغيره: فُوَيْهٌ، والجمع: أفواهٌ، والنعت: أَفْوَهُ، والأنثى: فَوْهاء، والفعلُ منه: تَفَوَّهَ بكذا؛ أي: تكلَّم، سقطت الهاء من آخر الفُوه تخفيفًا لكثرة الاستعمال، فبقي ناقصًا آخرُه حرفُ علة، فأُبدل بالميم فقيل: الفم، ثم أُعيدت الواو والهاء في التصغير والفعلِ والجمع؛ لأنَّه لا يَكثر استعمالها فأعيد الاسم إلى الأصل.
وقوله تعالى: {بِأَفْوَاهِهِمْ} تأكيدٌ، والقول لا يكون إلا بالفم؛ أي: باللسان
(١) في (أ): "إلى الإيمان".