أموالهم ليتصرَّفوا فيها، فيظهرَ رشدُهم ومعرفتُهم، وفيه دليلٌ على جوازِ إذنِ الصَّبيِّ العاقل بالتِّجارةِ (١).
قولُه تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ}: أي: الوطءَ؛ أي: قدروا على ذلك، وهو حالة الإنزال، وهو كنايةٌ عن البلوغ، وهو كما قال في آية أخرى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} النور: ٥٩.
قوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا}؛ أي: أبصرتم، كما قال تعالى: {إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} طه: ١٠.
و {رُشْدًا}؛ أي: هداية في التَّصرُّفات، وصلاحًا في المعاملات.
قوله تعالى: {فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}: أي: سلِّموا وردُّوا.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} يحتمِل وجهين:
أحدهما: الاختبار بالتَّصرُّف في المال على ما بيَّنَّا.
والثَّاني: أنْ يُبتلَى الأيتامُ قبلَ بلوغِهم بأنواع العبادات والآداب؛ ليعتادوا بها، ويتأدَّبوا بها؛ ليعرفوا حقوقَ الأموال وقَدْرها ويحفظوها إذا بلغوا؛ لأنَّهم إذا ابتُلوا بعد البلوغ لم يعرفوا ما عليهم، فكانَ في ذلك تضييعُ حقوقِ اللَّهِ (٢).
قوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} اختلفَ العلماءُ فيمَنْ بلغَ مبذِّرًا سفيهًا؛ هل يُحجَر عليه؟
فأبو حنيفة رحمه اللَّه لا يرى الحجرَ عليه في تصرُّفاته، وأبو يوسف رحمه اللَّه يقول: لا يَنحجِر بذلك، لكن يستحقُّ حجرَ القاضي عليه، وقال محمَّد رحمه اللَّه:
(١) في (ر): "وفيه دليل أن الصبي العاقل يجوز إذنه للتجارة".
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٣/ ٢٢).