وقال ابنُ عبَّاس رضي اللَّه عنهما: للأمِّ الثُّلث في هذه الحالة (١)، كما إذا كان للميِّت أخٌ واحدٌ أو أختٌ واحدةٌ؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى إنَّما حجبَ الأمَّ عن (٢) الثُّلث ونقلَ حقَّها إلى السُّدسِ إذا كان للميِّت إخوةٌ، وهو اسمُ جمعٍ.
وقلنا: ألحق اللَّه تعالى الأختين بالأخوات في حقِّ الاستحقاق، حتى جعل لهما الثُّلثين، فكان ذلك إلحاقًا لهما بهنَّ في حقِّ حجب الأمِّ؛ لأنَّ الحجب دون الاستحقاق.
قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}: قرأ ابنُ كثير وابنُ عامر وعاصمٌ في رواية أبي بكر بفتح الصَّاد على ما لم يُسمَّ فاعله (٣)؛ لأنَّ الموصي غيرُ مذكور، وقرأ الباقون بكسرها؛ لأنَّ الميت مذكورٌ كنايةً في قوله: {إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ}؛ يعني: هذه السِّهام للورثة بعد تنفيذ وصيَّته على وجهها، وبعد قضاء دينه.
وعن عليٍّ رضي اللَّه عنه أنَّه قال: إنَّكم تقرؤون في كتاب اللَّه تعالى الوصيَّة قبل الدَّين، وإنِّي سمعْتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقولُ: "الدَّينُ قبلَ الوصيَّة" (٤).
وليس هذا بتغييرٍ لظاهر النَّظم، بل هو تفسيرٌ لحاصل الحكم؛ يعني: أنَّ الورثة لا يرثون إلَّا بعد هذين.
ثم الدَّينُ أهمُّ، وهو من جميع المال، ولا تنفَّذُ الوصيَّة إلَّا بعد قضاء الدَّين، والوصيَّة نفاذُها من الثُّلث ولا تنفَّذ في أكثر من ذلك.
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٦/ ٤٦٤).
(٢) في (أ): "من".
(٣) انظر: "السبعة في القراءات" (ص: ٢٢٨)، و"التيسير" (ص: ٩٤).
(٤) رواه الترمذي (٢٠٩٤)، وابن ماجه (٢٧١٥)، وقال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث أبي إسحاق عن الحارث عن علي، وقد تكلم بعض أهل العلم في الحارث، والعمل على هذا الحديث عند عامة أهل العلم.