وعن ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما: أنَّه سُئل عن رجلٍ له امرأتان، أو جاريةٌ وامرأةٌ، فأرضعَتْ هذه جاريةً وهذه غلامًا، هل يَصلحُ للغلام أن يتزوَّجَ الجاريةَ، فقال: لا، اللِّقاحُ واحدٌ (١).
ثم إطلاق قوله تعالى: {أَرْضَعْنَكُمْ} يقتضي ثبوتَ الحرمة بقليلِ الإرضاعِ (٢).
وهو حجَّة لنا على الشَّافعي رحمه اللَّه؛ فإنَّه يَشترط خمسَ رضعات، ويحتجُّ بقول عائشة رضي اللَّه عنها: كان فيما نزلَ: (عشرُ رضعاتٍ يحرِّمْنَ)، ثم نُسخَ ذلك بـ (خمس رضعات يحرِّمْنَ)، فتوفِّيَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو فيما يُقرأ (٣).
وقال الإمامُ أبو منصورٍ رحمه اللَّه: لسنا نجدُ في القرآن آيةَ النَّاسخ ولا آية المنسوخ، ولا يجوز أن يُقالَ: ضاع من القرآن شيءٌ، فلا نتركُ ما نجدُه ثابتًا في القرآن، محفوظَ النَّقل، ولعلها غلطَتْ فيها (٤).
والرَّضاعُ في الكبر لا يحرِّم عندنا؛ لقوله عليه السلام: "الرضاعُ ما أنبتَ اللَّحمَ، وأنشزَ العظمَ" (٥).
وذلك (٦) في الصَّغير، وذاك في سنتين عند أبي يوسف ومحمَّد رحمهما اللَّه، وسنتين ونصفٍ عند أبي حنيفة رضي اللَّه عنه، وثلاثِ سنين عند زُفَرَ رحمه اللَّه، ويُعرف ذلك في الفقهيَّات.
(١) رواه الإمام مالك في "الموطأ" (٢/ ٦٠٢)، والترمذي (١١٤٩).
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٣/ ٨٩ - ٩١).
(٣) رواه مسلم (١٤٥٢).
(٤) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٣/ ٩١)
(٥) رواه أبو داود (٢٠٥٩) و (٢٠٦٠) من حديث ابن مسعود رضي اللَّه عنه. قوله: أنشز العظم؛ أي: رفعه وأعلاه وأكبر حجمه، ويروى بالراء؛ أي: شده وقواه.
(٦) في (ف): "وذاك".