وقوله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ}؛ أي: لا يأكلْ بعضُكم مال بعضٍ؛ كما في قوله: {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} النور: ٦١.
وكذا (١) قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسِكُمْ}: أي: لا يَقتلْ بعضُكم بعضًا، ذَكر حرمةَ المال والنفس بعد ذِكر حرمةِ الفرج؛ لأن انتهاكها من الموبِقات فنهى عنها كلّها.
وقيل: معناه: ولا تقتلوا إخوانَكم الذين (٢) هم كأنفسكم، وهو إِشارة إلى صدر السورة: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} الآية، ولأن المؤمنين كنفس واحدة والحديثُ فيه مشهور (٣)، ولأنه إذا قَتل غيره قُتل به قصاصًا فصار كأنه قَتل نفسه.
وقيل (٤): أي: ولا تهلكوا أنفسكم بإتلاف أموالكم؛ لأنَّه ذكر في أول السورة أن المال قيامُ الناس، فيكون في هلاك المال هلاكُ البدن.
وقيل: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسِكُمْ}؛ أي: لا تعجزوا عن الحيلة والتصرُّف.
وقال الإمام القشيري رحمه اللَّه: لا تقتلوا أنفسكم بارتكاب الذنوب.
وقيل: أي: بتعريضها لمساخط اللَّه.
وقيل: أي: بنظركم إليها.
وقيل: أي: باستحسانكم شيئًا منها.
وقيل: أي: بإيثارها غيرَ رضى الحق (٥).
(١) في (أ): "وكذلك".
(٢) في (ر): "إخوانكم في الدين".
(٣) رواه البخاري (٦٠١١)، ومسلم (٢٥٨٦)، من حديث النعمان بن بشير رضي اللَّه عنهما، ولفظه: "مَثَلُ المؤمِنِين في تَوادِّهم وتَراحُمِهم كمَثَلِ الجسدِ، إذا اشتكَى عُضوًا تَداعَى له سائرُ جسدِه بالسَّهرِ والحُمَّى".
(٤) في (ف): "قوله تعالى {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسِكُمْ} ".
(٥) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٣٢٧).