فلا تُمَكِّنَ ما (١) يخالفُها مِن مساكنَتها، ثمَّ جارُ روحِك- وهو سرُّكَ أولى أنْ تراعيَ حقَّه، فلا تمكِّنهُ مِن الغَيبةِ عن أوطان الشُّهود، ثمَّ الأولى من ذلك كلِّه أن لا تَغفُل عن قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} الحديد: ٤ (٢).
* * *
(٣٧) - {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا}.
وقوله تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} نعتٌ لقوله: {مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}؛ لأنَّه جنسٌ، فكان بمعنى الجمع، والبُخلُ: منعُ الفَضلِ عن ذي الحاجَّة، وأصلهُ: مشقَّةُ الإعطاء.
وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: هو على لسان أهل الحقيقة: تركُ الإيثارِ في زمان الاضطرار.
وقال: بخلُ الأغنياءِ بمنع النِّعمة، وبخلُ الفقراءِ بمنع الهمَّة (٣).
وقوله تعالى: {وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} قرأ حمزةُ والكسائيُّ بفتح الباء والخاء، والباقون بضمِّ الباء وتسكين الخاء (٤)، وهما لغتان كالرُّشْدِ والرَّشَد والصَّرْف، من باب (٥) علم.
قال ابنُ عباسٍ رضي اللَّه عنهما: نزلَت الآيةُ في رؤساء أهلِ الكتاب، قالوا لرجالٍ
(١) في (ر) و (ف): "أن".
(٢) "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٣٣١).
(٣) "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٣٣١، ٣٣٢).
(٤) انظر: "السبعة" (ص: ٢٣٣)، و"التيسير" (ص: ٩٦).
(٥) في (أ): "حد".