بقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}؟ فقال أبو حازم: أليس قد نُزِعت عنكم إذا خالفتم الحقَّ بقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (١).
ودلَّتِ الآيةُ على (٢) أنَّ إجماعَ الأمَّةِ حجَّةٌ لا يَجوزُ خلافُها؛ لأنَّه إنَّما أمرَ بالاجتهادِ عند التَّنازع، فإذا أجمعوا فلا وجهَ لخلافه.
وتعلَّقَ أصحابُ الظَّواهر بظاهرِ هذه الآية أنَّ (٣) الاجتهادَ والقياس لا يجوزُ؛ لأن اللَّهَ عزَّ وعلا أمرَ بالرُّجوع إلى الكتابِ والسُّنَّة، فلا يجوزُ غيرُ ذلك.
وقلنا: بل هو دليلُ جواز القياس؛ فإنَّ الرَّدَّ إلى اللَّه والرَّسول هو العملُ بمعنى (٤) القرآن والسُّنَّة، فإنَّه أوجبَ في كلِّ متَنازَعٍ (٥) ردَّه (٦) إلى الكتاب والسُّنَّةِ، ولا يوجدُ في كلِّ حادثةٍ نصٌّ ظاهرٌ، فعُلِمَ أنَّه أمرٌ بالنَّظرِ في مودعاتِه، والعملِ على مدلولاتِه ومقتضياته.
وقوله تعالى: {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} قال الكلبيُّ: أي: خيرٌ مِن الاختلافِ، وأحسنُ عاقبة، قال اللَّه تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} الأعراف: ٥٣؛ أي: عاقبتَهُ، وقد آلَ إليه الأمرُ يَؤُول أوْلًا؛ أي: عاد، وأوَّله؛ أي: غيَّره تأويلًا حسنًا.
وقيل: أحسنُ جزاءً، هو مِن ذلك أيضًا؛ لأنَّه عاقبةُ العملِ، ومآلُ الأمرِ.
(١) انظر: "التفسير الوسيط" للواحدي (٢/ ٧٢).
(٢) لفظ: "على" من (أ).
(٣) في (ر) و (ف): "لأن".
(٤) في (أ): "بمعاني".
(٥) في (ف): "منازع".
(٦) في (ر): "فيه أن يرد" بدل: "رده".