وقيل: معناه: وتخافون مِن اللَّه ما لا يخافون؛ مِن قوله: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} نوح: ١٣؛ أي: لا تخافون للَّه عَظَمَةً، وإنَّما قامَ الرَّجاءُ مقامَ الخوف؛ لأنَّ ما يُرجَى كونُه يُخافُ فوتُه.
وقيل: لا يُستَعْمَل الرجاء في معنى الخوف إلَّا على النفي، فأمَّا على الإثبات فلا.
وقيل: يجوز ذلك، قال قائلهم:
توكَّل على الربِّ الكريمِ وَثِقْ بهِ... إذا نابَ أمرٌ مُفظِعٌ لك رائِعُ
فلا كلُّ ما تَرجو من الخيرِ كائنٌ... ولا كلُّ ما تَرجو (١) من الشَّرِّ واقعُ (٢)
وقيل: معنى قوله: {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} أي: يحصلُ لكم برجائكم مِن اللَّه ما لا يحصلُ لهم، يقال: لا رجاءَ لك عند فلانٍ؛ أي: لا تحقيقَ لما تَرجُوه.
وقوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}؛ قيل (٣): {عَلِيمًا} بمصالحِ العباد حين دعاهُم إلى الجهاد، {حَكِيمًا} في تدبيرِ أمورهم.
وقيل: عَلِيمًا بما ينالُ المؤمنين من الألمِ في سبيله، {حَكِيمًا} لا يُسوِّي بينَهم وبين الكفَّار في جزائِه.
وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: القومُ شارَكوكم في آلام النُّفوس، ولكن خالفتُموهم في مشاهداتِ القلوب، أنتم تَشهدونَ ما لا يَشهدون، وتَجدُون بقلوبِكم ما لا يَجدون، فلا ينبغي أن تستأخروا عنهم في الجدِّ واحتمال الكدِّ (٤).
(١) في (ف): "تخشى".
(٢) ذكر الثعلبي في "تفسيره" (٦/ ٢٠٣)، والبغوي في "تفسيره" (٥/ ٢١٣) البيت الثاني دون نسبة.
(٣) في (ر): "أي".
(٤) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٣٥٩).