وإن أتاه خليلٌ يومَ مَسْغَبةٍ... يَقولُ لا غائبٌ مالي ولا حَرِمُ (١)
فإبراهيمُ خليلُ اللَّه؛ أي: المحتاجُ إليه، المنقطعُ إليه بحاجتِه وإظهارِ فاقتِه.
وروى جابرُ بنُ عبدِ اللَّه الأنصاريُّ عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّه قال: "اتَّخذ اللَّه إبراهيم خليلًا؛ لإطعامِه الطَّعامَ، وإفشائِه السَّلام، وصلاتِه باللَّيل والنَّاسُ نيام" (٢).
وروى أبو أمامة الباهليُّ عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال: "أتدرون لِمَ اتَّخذ اللَّه إبراهيمَ خليلًا؟ " قالوا: اللَّهُ ورسولُه أعلم، قال: "كان إذا ذَكرَ اللَّه بطريقِ الحَلِف لم يَحنث" (٣).
وقال عبيد (٤) بن عمير: كان إبراهيمُ عليه السلام يضيفُ النَّاس، فخرجَ يومًا يَلتمِسُ ضيفًا، فلم يجد، فرجعَ إلى دارِه، فوجدَ فيها رجلًا قائمًا، فقال: يا عبدَ اللَّه، مَن أدخلك داري بغير إذني؟ فقال: دخلتُها بإذنِ ربِّها، فقال: من أنت؟ قال: أنا مَلَك الموت، فقال: بمَ جئتني؟ قابضًا أم زائرًا؟ قال: لا، بل أرسلني ربِّي إلى عبدٍ مِن عبادِه أبشِّرهُ بأنَّ اللَّهَ قد اتَّخذه خليلًا، قال: من هو؛ فواللَّه لئن أخبرتَني به، ثمَّ كان بأقصى البلادِ لآتيَنَّه، ثمَّ لا أبرحُ له خادمًا حتَّى يُفرِّق بيننا الموتُ، قال: ذلك العبدُ هو أنت، قال: أنا؟! قال: نعم، قال: فبِمَ اتَّخذني ربِّي خليلًا؟ قال: لأنَّك تُعطي النَّاسَ ولا تَسألُهم (٥).
وقال محمَّدُ بنُ المنكدر: كان إبراهيمُ عليه الصَّلاة والسَّلام مِن أغْيَرِ النَّاس، فكان لا يَدخُلُ دارَه أحدٌ، فبينا هو يومًا في دارِه إذ دخلَ عليه كهيئةِ الإنسان (٦)، فقال
(١) انظر: "شرح ديوان زهير" (ص: ١٥٣). قال شارحه: والحَرِم: المنع، يقول: ليس لمالي منعٌ عنك.
(٢) ذكره أبو الليث في "تفسيره" (١/ ٣٩٢) دون إسناد.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) في (ر): "عبيد اللَّه"، والمثبت هو الصواب.
(٥) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (٤/ ١٠٧٥) (٦٠١٦)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (٣/ ٢٧٤).
(٦) في (أ) و (ر): "إنسان".