للعرب بهذا المحلِّ؛ إذ هو أبو إسماعيل، الذي هو أبو العرب، وهم قد خالفوهُ، فأبطلوا فضائلهم.
وقوله: {حَنِيفًا} أي: مستقيمًا على منهاجِه في الخِتان، والحجِّ، والجهادِ، ومحاجَّةِ الأعداء، وإقامة الشَّرائع.
وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا}؛ أي: لا أحدَ (١) أحسنُ دينًا ممَّن أسلمَ وجهَه للَّه تعالى؛ يعني: أفردَ قصدَه إلى اللَّه تعالى، وأخلصَ عقدَه للَّه عمَّا سوى اللَّه، ثمَّ استسلمَ في عمومِ أحواله للَّه باللَّه، ولم (٢) يدَّخر شيئًا عن اللَّه، لا مِنْ مالِه، ولا مِنْ جسدِه، ولا مِنْ روحِه، ولا مِنْ خلده (٣)، ولا مِنْ أهله، ولا مِنْ ولدِه، وكذلك كان الخليلُ صلواتُ اللَّه عليه (٤).
وقوله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} أثنى عليه بذلك، وهو أنَّه جعله مختصًّا بالانقطاع إليه؛ بصبرِه وتَحمُّلِ المكارهِ في إقامة دينِه، حتَّى هجرَ أهلَه وولدَهُ، وفارقَ وطنَه وبلده، وبذلَ نفسَه ومالَه وولدَه.
قال أبو العبَّاس المبرد: اختلَّ فلانٌ بالرُّمح قلبَ فلانٍ؛ أي: اختصَّه، وخلَّلَ العطاءَ في بني فلان؛ أي: خصَّهم به.
وقيل: الخُلَّةُ: المودَّة التي توجِب الاختصاصَ بتخلُّل الأسرار.
وقيل: هي من الخَلَّة، التي هي الحاجة، قال زهيرٌ:
(١) في (ف): "أجد".
(٢) في (أ) و (ر): "ومن لم". والمثبت من (ف)، وهو موافق لما في "لطائف الإشارات".
(٣) في "لطائف الإشارات": "جلده".
(٤) "لطائف الاشارات" (١/ ٣٦٧).