وقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} استفهامٌ بمعنى الجَحد، ولما نزل قوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} النساء: ١٢٣؛ قالت اليهودُ والنَّصارى: لقد استوينا كلُّنا، فنزلَت هذه الآيةُ في إبطالِ دينِهم وتفضيلِ دين الإسلام (١).
وقوله: {أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} أي: أخلصَ دينَه للَّه.
وقيل: أي: عملَه.
وقيل: أي: سلَّمَ نفسَه.
والوجهُ أشرفُ أعضاءِ الإنسان (٢)؛ فخُصَّ بالذِّكر، ولأنَّ الانقيادَ يَظهرُ في الوجه، وكذلك قولُه تعالى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} طه: ١١١.
وقوله تعالى: {وَهُوَ مُحْسِنٌ} قيل: الأول في الاعتقاد، وهذا في العمل.
وقيل: الإحسان ما قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هو أن تعبدَ اللَّه كأنَّك تراه، فإنَّك إن لم تكن تراه فإنَّه يراك" (٣).
وقيل: أي: أسلمَ وجهَه وهو محسِنٌ في حقِّ عبادِ اللَّه تعالى.
وقوله تعالى: {وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} خصَّه بالذِّكر؛ إذ هو أجلُّ الأنبياء المفتَخرِ بهم لأهل الكتاب، ثمَّ هم (٤) خالفوهُ في دينِه، فأبطَلوا فضائلَهم، وهو أيضًا
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٧/ ٥٠٧)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٤/ ١٠٧٢) (٦٥٥٠).
(٢) في (ف): "الأعضاء" بدل: "أعضاء الإنسان".
(٣) أخرجه البخاري (٥٠)، ومسلم (٩) من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه، وأخرجه مسلم (٨) من حديث عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه.
(٤) في (أ): "ثم"، وفي (ف): "وهم" بدل: "ثم هم".