وقال الإمامُ القشيريُّ رحمه اللَّه: أصلُ الدِّينِ إيثارُ حقِّ الحقِّ على حقِّ الخلقِ، فمَن آثرَ على اللَّه أحدًا؛ والدًا أو ولدًا، أو قريبًا أو نسيبًا، أو ادَّخرَ عنه نصيبًا، فهو عديمُ القِسطِ عن القيام بالقِسط (١).
قال أبو العالية: نزلَت الآيةُ في رجلٍ مِن الأنصار قال: يا رسولَ اللَّه، إن لي والدًا، وعليه حقٌّ، وأنا مِن الشُّهود، وما يَمنعُني مِن الشَّهادةِ عليه إلَّا أنَّه معسِرٌ، فنزلَت الآيةُ.
وقوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا} قال الأخفشُ: أي: إن يكنْ مَن يُخاصِمُ غنيًّا أو فقيرًا (٢).
وقوله تعالى: {فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا}؛ أي: أحقُّ بهما فيما اختار لهما من غنًى أو فقرٍ، فلا يحملنَّكم غنى خصمٍ على أنْ تَمنعوا الشَّهادةَ عليه لاحترامه، أو تَشهدوا لهُ بالباطلِ لاحتشامِه، ولا فقرُ فقيرٍ ألَّا تشهدوا له استهانةً به، أو لا تَشهدوا عليه مرحمةً له، أو تَشهدوا له بالباطلِ معونةً له.
وإنَّما قال: {بِهِمَا} على التَّثنية؛ مع إدخال {أَوْ} بين الغنيِّ والفقير؛ لأنَّه قد ذكرَهُما في الجملة، وذكرَ أنَّ اللَّهَ أولى بكلِّ واحدٍ منهما، وهو كقوله تعالى: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} النساء: ١٢.
وقوله تعالى: {فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} له ثلاثةُ أوجه:
أحدها -وهو قول الفرَّاء-: لِأَن تَعدلوا؛ أي: لا تَتَّبعوا الهوى لتكونوا عدولًا (٣).
(١) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٣٧٢).
(٢) انظر: "معاني القرآن" للأخفش (١/ ٢٦٨).
(٣) انظر: "معاني القرآن" للفراء (١/ ٢٩١). قال السمين الحلبي في "الدر المصون" (٤/ ١١٨): وهو ضعيف في المعنى.