{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} تصديقًا، {آمَنُوا} تحقيقًا.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بأنَّ نجاتَكُم بفضلِه لا بإيمانكم.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بأدلَّةِ العقول، {آمَنُوا} إذا أنختُم بساحةِ الوصول، واستمكنَ منكم الحيرةُ وغَلَباتُ الذُّهول، ثمَّ أفقتُم، فآمِنوا أنَّ الذي كان غالبًا عليكم كان شاهدَ الحقِّ، لا صفة (١) النَّفس؛ فإنَّ الصَّمديَّة ممتنِعةٌ متَقدِّسةٌ عن كل قربٍ وبعدٍ، ووصلٍ وفصل (٢).
وقوله تعالى: {وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ} أي: آمِنوا بالقرآن.
قرأ ابنُ كثير وابنُ عامر وأبو عمرو: {نَزَّلَ} على ما لم يُسَمَّ فاعله، والباقون: {نَزَّلَ} (٣)؛ أي: نَزَّلهُ اللَّهُ تعالى.
وقوله تعالى: {وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} فيه قراءتان أيضًا على هذا (٤)، والمرادُ مِن الكتاب الجنس، وهو جميع الكتب المتقدمة، والإنزالُ: هو بعثُ جبريلَ عليه السَّلام معه مِن السَّماء، والتَّنزيلُ: تفصيلُ الإنزالِ، والقرآنُ كذلك؛ لأنَّه نزلَ مفصَّلًا؛ فلذلك قال في الأوَّل: {نَزَّلَ}، وفي الثاني: {أَنْزَلَ} لأنَّ إنزالَ الكتبِ المتقدِّمةِ كان جملةً.
وقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}؛ أي: مِن الهُدى، وقيل: أي: مِن النَّجاة. ثمَّ إنَّما علَّقَ الضَّلالَ بذلك كلِّه بالواو
(١) في (ف): "شاهدًا للحق لا لصفة" بدل: "شاهد الحق لا صفة"، والمثبت موافق للمصدر.
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٣٧٣ - ٣٧٤).
(٣) انظر: "السبعة" (ص: ٢٣٩)، و"التيسير" (ص: ٩٨).
(٤) أي: قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو: {أَنْزِلَ} على ما لم يسم فاعله، وقرأ الباقون: {أَنْزَلَ}.