وبقتلهم زكريا ويحيى عليهما السلام، وغيرهما من الأنبياء، مِن غير أنْ يُتصوَّر منهم سببُ استحقاق القتل، وبقولهم: قلوبنا غلف؛ أوعيةٌ للعلوم، فلا حاجة لنا إلى قول موسى، أو هي في غلافٍ، فلا نفهم ما يُقال = لعنَّاهم، وسخطْنا عليهم، هذا مضمَرٌ فيه، قاله قتادة؛ لدلالة الكلام عليه؛ لأنَّه قال في سورة المائدة: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} المائدة: ١٣، وكذلك اعتراضُ قولِه تعالى: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} دليلٌ على ذلك.
وقال الزَّجَّاج: يتَّصِلُ بهذا قوله: {حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}؛ أي: بسبب هذه الأشياء عاقبناهم بذلك، وعلى هذا يكون قوله: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا} بدلًا عن قوله: {فَبِمَا نَقْضِهِم} (١) وترجمةً عنه.
والأول أوجه؛ لتباعدٍ بين الكلامين في هذا الوجه الثاني.
وقوله تعالى: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} هو ردٌّ لقولِهم: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ}، وقد بيَّنَّا وجوهَ ذلك في سورة البقرة (٢).
وقوله تعالى: {فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} ذكرنا وجوهَه أيضًا في قوله: {فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} البقرة: ٨٨.
* * *
(١٥٦) - {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا}.
وقوله تعالى: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} قيل: وبكفرِهم بعيسى، والأوَّلُ كفرُهم بالتَّوراة وبمعجزاتِ موسى، فلم يكن تكرارًا.
(١) انظر: "معاني القرآن" للزجاج (٢/ ١٢٧).
(٢) عند تفسير الآية (٨٨) منها.