فإن قالوا وهو على من حقَّق (١) إلقاء الشَّبه على غيره: كيف (٢) يجوزُ هذا والإيمانُ (٣) بعيسى واجب؟ وإذا وقعَ عندهم أنَّ هذا عيسى، وجبَ عليهم الإيمانُ به، وهذا تخليطٌ وتلبيس.
قلنا: لا يكون هذا عند الدَّعوةِ ورجاءِ الإيمان، فأمَّا حال همِّهم بقتلِه وعلمِ اللَّه منهم أنَّهم لا يؤمنون، فإنَّه يكونُ تأييدًا لرسولِه، وإعجازًا لعدوِّه، فجاز (٤).
وقوله تعالى: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ} قال مقاتلٌ وجماعة: أي: اختلفوا في قتله (٥).
وقوله تعالى: {لَفِي شَكٍّ مِنْهُ} أي: مِن قتلِه.
وقوله تعالى: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} فإنَّهم يَدَّعون قتلَه، وهم شاكُّون فيه؛ فإنَّه بعد قتلِهم ذلك الرَّجلَ كانوا يقولون: إنْ كان هذا عيسى، فأين صاحبُنا؟! وإن كان هذا صاحبَنا، فأين عيسى؟!
وقوله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} له وجوه:
أحدها: لم يَتيقَّنوا بقتِله فإنَّهم ادَّعوه، وهم على شكٍّ.
والثاني: ما قتلوه، وهذا نفيٌ مطلقٌ، قوله تعالى: {يَقِينًا}؛ أي: هذا النَّفي متيقَّنٌ، ليس فيه شبهةُ القتل.
وقيل: {وَمَا قَتَلُوهُ}؛ أي: وما علموهُ؛ فإنَّه يُستعمَل في العلم لغةً، يقال: قتلتُ
(١) في (ف): "وهو على ذلك من حقوق".
(٢) في (ف): "فكيف".
(٣) في (ف): "فالإيمان".
(٤) لفظ: "فجاز" ليس في (أ).
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" (١/ ٤٢٠).