أكَّدهُ بالمصدر، وهو لتحقيق الاسم والصِّفة؛ فإنَّ الفعلَ المذكورَ على المجاز لا يؤكَّدُ بالمصدر.
ودلَّت الآيةُ على أنَّ معرفةَ الرُّسلِ واحدًا بعد واحدٍ بأساميهم ليست بشرطٍ لصحَّةِ الإيمان، لكن مِن شرطِه أن يُؤمن بهم جميعًا، ولو كان معرفةُ كلِّ واحدٍ منهم شرطًا لقَصَّ علينا كلَّ ذلك.
* * *
(١٦٥) - {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}.
وقوله تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} {رُسُلًا} بدلٌ عن الأوَّل، {مُبَشِّرِينَ}؛ أي: بالجنَّة لمن أطاعَ، {وَمُنْذِرِينَ} بالنَّارِ لمن عصاه.
وقوله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}؛ أي: لئلَّا يكونَ لهم الاحتجاجُ، فيقولوا {رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا} الآية طه: ١٣٤.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: وهذا إنما يكون في العبادات والشرائع التي سبيلُ معرفتِها السَّمعُ لا العقل، وأمَّا الاعتقادات، فإنَّ لزومَها بالعقل، فلا يكونُ لهم الاحتجاجُ؛ إذ في كلِّ شيءٍ مِن خلقه دليلٌ على وجودِه ووحدانيتِه وربوبيَّته (١).
وقوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}؛ أي: منيعًا قادرًا على إعزازِ من أعزَّه، وإذلال من أذلَّه، {حَكِيمًا} بوضعِ كلِّ شيءٍ موضعَهُ.
وقيل: أي: قادرًا على إثابةِ مَن صدَّقَهم وعقابِ من كذَّبَهم.
وقيل: {حَكِيمًا} في إرسالهم وكلِّ (٢) شيء.
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٣/ ٤٢١).
(٢) في (ر): "وفي كل".