وقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قاتِلْ دون مالِكَ حتَّى تمنعَ مالك، أو تكونَ مِن شهداءِ الآخرة" (١).
وقال: "من قُتِلَ دون مالِه فهو شهيدٌ" (٢).
* * *
(٢٩) - {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ}.
وقوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ}؛ أي: تَرجِعَ، وقيل: أي: تَحتمل (٣).
وقوله تعالى: {بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ}؛ أي: بإثمِ قتلِك إيَّايَ، وبسائرِ ما أثِمْتَ به؛ مِن عقوقِ الأب، والحسد، والحقد، والكُفر. أضافَ الإثمَ إلى نفسِهِ أوَّلًا؛ لأنَّه أثِمَ بسببِه، فيَجوزُ إضافتُه إلى كلِّ واحدٍ منهما، وهو كقوله: {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ} نوح: ٤، وقوله: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} الأعراف: ٣٤، أضافه إلى المؤجَّلِ تارةً، وإلى المؤجِّلِ له تارةً أخرى، فيُضافُ الإثمُ أيضًا إلى الآثم بالجناية، وإلى المجنيِّ عليه أيضًا، وهذا معنى قول قتادةَ ومجاهدٍ والضحَّاكِ والسُّدِّيِّ رحمهم اللَّه (٤).
ثمَّ ليس هذا رضا بالذَّنب، بل هو إرادةُ عقوبةِ المذنب، ولذلك جاء في بعض التفاسير: إنِّي أريدُ أنْ تبوءَ بعقوبة إثمي؛ أي: بعقوبةِ إثمِك في قتلي، {وَإِثْمِكَ}؛ أي: بعقوبةِ سائر آثامك.
وقيل معناه: أريدُ أن تكون عليك آثامي التي كانت بذنوبي بسببِ قتلكَ إيَّاي،
(١) رواه النسائي في "سننه" (٤٠٨١) من حديث مخارق رضي اللَّه عنه.
(٢) رواه البخاري في "صحيحه" (٢٤٨٠)، ومسلم في "صحيحه" (١٤١) من حديث عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه عنهما.
(٣) في (ر) و (ف): "تتحمل".
(٤) روى أقوالهم الطبري في "تفسيره" (٨/ ٣٣٠ - ٣٣٢).