الرَّجم واختيارِ الجلد، وهذا ناسخٌ لما تَقدَّمَ مِن التَّخيير: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} المائدة: ٤٢.
وقوله تعالى: {عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} قيل: أي: ميلًا عمَّا جاءَك مِن الحق، أضمرَ فيه هذا.
وقيل: أي: بعد ما جاءَك. و"عن" و"بعد" يتناوبان، قال تعالى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} وقال: {مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ}.
وقوله: {مِنَ الْحَقِّ}؛ أي: البيانِ في القرآن.
وقال الإمامُ القشيريُّ: قدَّم اللَّهُ تعريفَ رسولِه قصص المتقدِّمين بين يديهِ على تكليفِهِ اتِّباعَ ما أُنزِلَ إليه؛ لئلَّا يَسلُكَ سبيلَ الذين سبقوهُ؛ فيستوجب ما استوجبوه.
وقوله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ}؛ أي: لا تَستميلنَّك مودَّةُ قريبٍ، واعتنِق ملازمةَ أمرِ اللَّه بتركِ كلِّ نصيب (١).
وقوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}؛ أي: جعلنا لكلِّ أمَّةٍ شريعةً، وهي في الأصل: المدخلُ إلى الماءِ، وبه الحياةُ والطَّهارةُ والمصالح (٢)، وشرائعُ الدِّين -وهي أحكامُه وحدودُه ولوازمُه- كذلك.
{وَمِنْهَاجًا}؛ أي: طريقًا واضحًا؛ كأنَّه قال: جعلنا لكلٍّ منكم موردًا وطريقًا إليه، أخبرَ أوَّلًا أنَّ هذا مصَدِّقٌ لما قبلَهُ والأصلُ واحد، ثمَّ بيَّن أنَّ الطُّرقَ مختلفةٌ، وكلُّها مؤدِّيةٌ إلى واحد.
(١) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٤٢٨).
(٢) لفظ: "والمصالح": ليس في (أ).