وقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} قيل: يتَّصِلُ بقوله: {الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} وبـ {وَأَنِ احْكُمْ}، ولا يصلح عطفًا على قوله: {فَاحْكُمْ} {وَأَنِ احْكُمْ} (١).
وقيل: يتَّصِل بقوله: {مُصَدِّقًا}؛ أي: أنزلناه بتصديقِ ما بين يديه وبـ {وَأَنِ احْكُمْ}.
وقيل: يقعُ عليه الإنزالُ، وتقديره: إنَّا أنزلناه إليك {وَأَنِ احْكُمْ}.
وقوله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} قال أبو عبيد: أي: يصرفوك، وقال قطرب: أي: يَستزِلُّوك، وهو كقوله: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} (٢).
وقوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ}؛ أي: فإنْ أعرضوا عن الانقيادِ لحكمك، فاعلم أنَّ اللَّهَ يُريدُ أنْ يُعجِّلَ لهم عقوبة بعضِ ذنوبِهم في الدُّنيا، فإنَّ الدُّنيا ليست بدار كمالِ الجزاء، وعذابُ الدُّنيا عذابُ بعض الذُّنوب؛ لأنَّه لا يَدوم، وعذابُ الآخرةِ عذابُ جميعِ الذُّنوب؛ لأنَّه يَدوم، وقد أصابَهم بذلك، وهو قتلُ بني قريظة، وإجلاءُ بني النَّضير.
وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: معناه: عِظْهُم بلسانِ العلم، فإنْ أبَوا قَبوله، فشاهِدهم بعينِ الحكم، ويقال: أشرْ (٣) عليهم باعتناقِ لوازم التكليف، فإن أعْرَضوا، فعاينهُم بعينِ التَّصريف (٤)، فإنَّ الحقَّ سبحانه وتعالى بشرطِ التَّليفِ
(١) من قوله: "قيل يتصل يقوله" إلى هنا ليس في (ف).
(٢) انظر: "التفسير البسيط" للواحدي (٧/ ٤١٤).
(٣) في "لطائف الإشارات" للقشيري: "اشدد" بدل: "أشر"، وما بين حاصرتين منه.
(٤) في (ف): "التصديق".